الأحد، 13 يوليو 2008

يوسف تكنة الوزير السابق للصحافة : الاستقطاب السياسي الراهن خطير خطير

الاستقطاب السياسي الراهن خطير.. وسببه الممارسة السياسية المتزمتةالعجز في إدارة الأزمة وراء تدويل قضية دارفورحاوره- بله علي عمريوسف تكنة وزير التعاون الدولي السابق وأحد أبرز القيادات التي شقت عصا الطاعة عن حزب الأمة ليخرج ضمن مجموعة ضمن مبارك الفاضل وعبدالله علي مسار وأحمد بابكر نهار وآخرين ،ليكونوا ما عرف بمجموعة الإصلاح والتجديد التي انضمت لحكومة المؤتمر الوطني لفترة قاربت الثلاث سنوات.. وإذا كان تكنة قد رأي ضمن المجموعة الخروج عن الحزب ضرورة حتمية إبان تلك المرحلة جراء ما كان يجري داخل الحزب من تجاهل للإصلاح المؤسسي فإن الرجل كان شجاعاً أيضاً وهو يعلن بشجاعته وصرامته المعهوده أن الانسلاخ من حزب الأمة كان خطأ في التقدير السياسي وإن انضمامهم لحكومة المؤتمر الوطني كان مغامرة، معلناً في ذات الوقت إنه وبعد وقفة مع الذات وبعد اتصالات مع آخرين من المجموعة المنسلخة قرروا البحث عن صيغة لأجل «لملمة» الحزب وإعادة توطينه.وتكنة القادم من برام بجنوب دارفور إحدى الشخصيات الملمة بقضية دارفور وأبعادها بصورة جعلت الأمم المتحدة تتخذه مستشاراً لها يعني بدراسة وتحليل الصراع بدارفور، الأمر الذي حتم علينا ضرورة محاورة الرجل:
* السيد تكنة ماذا بعد خروجكم من الحكومة؟- الآن أنا متفرغ بصورة شبه كاملة للعمل الأكاديمي والعلمي بجامعة الخرطوم، كما أنني لا أمارس أي نشاط سياسي حزبي في الوقت الراهن. وأعمل منذ ثلاثة أشهر مستشاراً للأمم المتحدة في دراسة وتحليل الصراع بدارفور وتقديم رؤى للحل.* باعتباركم نشأة ودراية ومعايشة لقضية دارفور من أكثر الملمين بها كيف تقيمون ما يجرى هناك؟- العمل في مستشارية الأمم المتحدة لدراسة الصراع اتاح لي فرصة رؤية المشكلة والأزمة من الداخل واتضح لي أن هذه الأزمة في منتهى الخطورة على البناء الوطني السوداني والتقليل من شأنها فيه تضليل للرأى العام بالسودان وخارج السودان.* حدثنا بقليل من التفصيل قبل الأحكام المطلقة؟- نتج عن أزمة دارفور معسكرات حول المدن وأشباه المدن في شكل مراكز تجميع لمعظم ريف دارفور وبات هنالك فراغ شبه كامل لهذه المجتمعات الريفية ونتج عن ذلك تآكل شرعية الدولة وغياب روح القانون في تلك المعسكرات. ومن نتائج الفراغ الاداري والسياسي خلل كبير في ممارسة السلطة التي كثيراً ما تجنح للقوة دون الآفاق السياسية.هذه التجمعات تحوي ثلث سكان دارفور الكبرى أى حوالي (5ر1) مليون مواطن دمرت كل مقومات الحياة لهم وباتوا عاله على المجتمع الدولي في المأوى والمأكل والمشرب.ويشكل هؤلاء الجزء الاكبر والغالب من أهلنا في دارفور وهم مواطنون (أصليين) أصحاب تراث تاريخي وحضاري ضارب في التاريخ لقروض مضت كما ظلوا اصحاب مساهمات أساسية وجبارة في بناء السودان الحديث.* تعملون مستشاراً لتحليل هذا الصراع فما هى نتيجة بحوثكم.. هل الصراع ناجم عن غبن إجتماعي أم أن هنالك أبعاداً عرقية أججت الصراع؟- كان للصراع أسبابه الواضحة والتي تكمن في التخلف الناجم عن ضعف التدخلات التنموية في دارفور بشكل متواز مع بقية المجتمعات بصورة تعمق الاحساس بعدالة المواطنة ، سواء كان ذلك في مجال التنمية الاقتصادية أو البنيات التحتية أو الخدمات الاجتماعية ،نتج عن ذلك إحساس بالغبن والتهميش اضافة لتراكم العطالة وبروز القضية الاجتماعية في السنوات الأخيرة.* ما هى مساهمة الوضع الناجم عن الصراع حول الموارد الطبيعية؟- حدث خلل في الموارد الطبيعية نتيجة تدهور المناخ.. هذا الخلل أحدث هجرات واسعة النطاق لمجتمعات بأكملها من الشمال الى الجنوب والجنوب الغربي حول جبل مرة هذا الحراك ادى لمنافسة حادة على موارد باتت محدودة للإنسان والحيوان. واكب ذلك انعدام الخطط والبرامج لإدارة هذه الموارد مع انهيار ادوات الادارة الأهلية والعرف القبلي والتدخل العلمي من القيادات الصفوية الحاكمة.* الصراع حول الموارد انتقل الى نزاع مسلح فهل تجاهلت الدولة إدارة هذا النزاع؟- قطعاً الدولة كانت غائبة في كثير من الأحيان أو عاجزة عن التدخل لإدارة الأزمة والتحكم في هذا الصراع.* هل عجز في إدارة الأزمة أم حالة من اللامبالاة؟- هما الاثنان معاً فالعجز ناجم عن ضعف الكوادر في المؤسسات الحاكمة سواء على المستوى المحلي أو الولائي وعدم الالمام بالتجارب السابقة مما أدى لضمور التدخل الاداري السليم.. أما اللامبالاة فهى ناجمة عن عدم المشاركة لممثلين حقيقيين في مراكز اتخاذ القرار وبرمجة السياسات على المستوى القومي المركزي.* متى كانت النقلة النوعية للصراع؟- انتقل الصراع من صراع حول الموارد الى صراع سياسي عام 2003م بحمل السلاح ضد السلطة الحاكمة وكان ذلك ناتج عن تراكم الأسباب التي أشرنا اليها سابقاً مع عدم استشعار السلطة المركزية لخطورة تطور هذا الصراع وذلك قصور في الرؤية الوطنية وقصور في سياسة النخب الحاكمة مع غياب البرنامج الوطني الواضح.* هل أسهمت بعض الظروف الخارجية في تعميق الأزمة؟- ليس في ذلك شك أولاً العالم انتقل من 1990م أى بعد إنهيار المنظومة الاشتراكية الى مناخ سياسي جديد تماماً تلاشت فيه فواصل حدود الدولة الوطنية وبرزت قيم تركز على حقوق الانسان الفرد وتشابكت المجتمعات الانسانية من واقع العولمة الجديد واصبحت أنظمة الحكم التي لا تعي هذه التحولات عرضة للتدخلات المباشرة وغير المباشرة والأمثلة كثيرة.{في هذا الإطار لم يعد التدخل الخارجي في قضية دارفور بدعة.* قبل الانتقال للتدخل الاجنبي فهل وقع حاملو السلاح في مخلب قوى مناهضة لوحدة السودان؟- لا أشك في وطنية من حملوا السلاح ولكن طبيعة الحركات المسلحة في كل المجتمعات أنها تلجأ الى الدعم الخارجي المعنوي والمادي والحركة الشعبية بجنوب السودان أقرب مثال الى ذلك.* بتقديرك أما زالت الحكومة تمارس المماطلة.؟- أولاً هناك حقيقة أساسية ينبغي ايرادها وهى أن الاستهانة أو المماطلة في حل قضية هؤلاء المواطنين السياسية والانسانية لا يجوز- تحت أية مبررات- التمادي والمزايدة السياسية فيها لانها ستؤدي لمضاعفة الأزمة بما يهدد سلامة ووحدة الوطن.* كيف تقيمون تعاطي الحكومة لهذا الشأن؟- في تقديري أن التعاطي دون المستوى المطلوب في الجوانب السياسية والأمنية، الحكومة تحتاج الى رؤية جريئة للانتقال الى حل هذه القضية بما يفي بمطالب أهل دارفور ويساعد على تنمية الحس والانتماء الوطني لأهل الاقليم خاصة المتواجدين منهم داخل المعسكرات الذين اصابهم الضرر.* كيف ترى قدرة لجنة الوفاق على تقريب وجهات النظر بين الحكومة والمسلحين؟- ستكون قدرتهم محدودة جداً إذا لم تنتقل الحكومة لرؤية سياسية جديدة.* وهل للمجتمع المدني والمواطن دور في رتق النسيج الاجتماعي؟- كنت أطمح في دور أساسي للمجتمع الأهلي والمدني في كافة انحاء السودان للمساهمة الايجابية في حل المشكل، أرجو من المواطنين ابداء التعاطف والمؤازرة مع إخوانهم في الوطن والدين ووشائج القربى بدلاً من الفرجة في محنتهم أو التعاطي الباهت من خلال أجهزة الاعلام والتعبئة السياسية التي نراها من حين لآخر. إن المجتمع الأهلي له قدرة كبيرة في تضميد جراحات أهلنا الذين أصابهم الحيف والوقوف بجانبهم وخلق مبادرات ناجمة من خلال التراث الوطني والعرفي لأهل السودان.* هل التدخل الدولي بات أكثر قرباً للمساهمة في الحل؟- من حيث المبدأ لا أفضل تدخل قوات أجنبية، لأن هنالك آثاراً بعيدة المدى قد تترتب على ذلك ولكن تعقيدات الأزمة والتي جعلت من الاجهزة الرسمية طرفاً في النزاع حسب رؤية المتضررين وفقدانهم للثقة في هذه الاجهزة، ينبغي معالجته عن طريق طرف ثالث وهذا يمكن أن يتم وفق اتفاق برؤية وطنية.* أراكم تتجهون لمباركة خلق وايجاد طريق ثالث؟- نعم ففي تقديري أن قوات الاتحاد الافريقي تشكل الآن مرتكزاً حيوياً يمكن تطويره بقوات عربية واسلامية وافريقية اضافية بما يفي بضرورات الفاعلية الميدانية لضمان أمن وسلامة المواطنين ويفي أيضاً بمتطلبات القوات الأممية المحايدة.* كيف ترون الواقع السياسي الراهن؟- السودان الآن يمر بمرحلة من الاستقطاب السياسي والجهوي والاثني العرقي بصورة غير معهودة وهذا نتج عن الممارسة المركزية المتزمتة في احتكار السلطة واتخاذ القرار واحتكار الثروة خاصة بعد الاستثمارات الناجحة في مجال صناعة النفط والذي غدت مداخله تشكل أكثر من 50% من عائدات البلاد، ومن أسباب هذا الاستقطاب ضمور أوعية الحوار الوطني الجرئ والمخص الذي يهدف للمشاركة الفعلية لكل المواطنين في أحزابهم وكياناتهم المختلفة وعدم استشراف آفاق دولة المواطنة التي يعرفها عالم اليوم والتي تتوفر فيها أسباب العدل والمساواة وغياب كل ذلك ادى الى حالة الاستقطاب الحادة التي نراها اليوم في المجتمع السوداني.* ماهو دور الفدرالية الذي انتهجته الحكومة لخلخلة الدولة المركزية؟- الفدرالية الحالية ضعيفة ولا توفر الحد الأدنى من المشاركة المطلوبة واقرب توضيح لذلك هى تعيين الولاة بدلاً من انتخابهم وهيمنة المركز على الموارد المالية فهى قليلة وليست أصيلة بما يوفر القوامة لهذه الفدراليات على مواردها القومية والمحلية وتذهب كهبة وليست حقاً أصيلاً وهذا يفقد هذه الهياكل الادارية جدواها في المشاركة.أما على المستويات الدنيا في المحليات فقد أضحت كالكمبونات العرقية تتصارع فيها القبائل والاثنيات بطريقة عادت بالسودان قروناً للوراء.* كيف نتجاوز هذه الصورة القاتمة التي رسمتموها؟ـ إن للسودان تجارباً ثرة جداً في مجال تنظيم الحكم ولعلني هنا أشير لاتفاقيتي الجنوب الأولى عام 1971م والثانية اتفاقية السلام الحالية- أرى أن كلا الاتفاقيتين تؤسس لنظام فدرالي حقيقي والسودان دولة كبيرة وواسعة جغرافياً وتركيبته الإثنية معقدة اجتماعياً لا يصلح معه الا نظام فدرالي يحقق الاستقلال الأمثل لهذه الكيانات ويوفر المشاركة الفعلية في مجال ممارسة السلطة والثروة.* كيف ترى حزب الأمة بعد خروجكم؟- حزب الأمة امتداد حديث لتراث الثورة المهدية في القرن التاسع عشر وهى ثورة تحرر وطني قامت على ركيزة التجدد الديني لأهل السودان ،وفي هذا الجانب ظل تراثها يلعب دوراً محورياً في بناء السودان الحديث ولذلك فوحدة هذا الكيان بشقيه العقائدي والسياسية مهمة للغاية لتماسك السودان ووحدته واذا نظرت الى تمدد الكيانات الاجتماعية التي تتمسك بهذا التراث فهى الوحيدة التي يمكن أن نطلق عليها قومية الانتماء سواء كان في الشرق أو الغرب أو الوسط أو الشمال والجنوب.هذا التفكك لهذا الكيان فيه تفريط بمصالح الوطن واعادة «لملمة» هذا الكيان ورتق الفتوق التي ألمت به في السنوات الاخيرة ضرورة ولازم لكل المنتمين لهذا التراث، ومن هذا المنطلق بدأت منذ فترة بصورة هادئة ومنهجية واتوقع لكل الذين ينظرون لمستقبل الحزب والوطن الوصول لذات الهدف وأتوقع من القيادات بالحزب اتخاذ خطوات عملية وجريئة في هذا الأمر.* هل تلمسكم للمخاطر المحيطة بالوطن جعلكم تتجهون لهذا النهج رغم سابق مآخذكم على قياداته؟- الرؤية الوطنية احدى الأسباب الجوهرية هذا أولاً. ثانياً إن انتمائي الأصيل لهذا الكيان تاريخياً وحديثاً يحتمان عليّ ذلك التوجه، أما بخصوص الاختلافات في الرؤى السياسي فالحوار هو النهج السليم الذي من خلاله يمكن تطوير الأدوار والوصول الى نتائج مرضية.. خروجنا سابقاً كان ضرورة وفقاً لتلك المرحلة وكان خطأ في التقدير السياسي كما كانت مشاركتنا في حكومة المؤتمر مغامرة.* هل أنت متفائل بهذه الرؤى ومآلاتها؟- جداً فمن خلال اتصالاتي بكثير من القيادات بولايات دارفور الثلاث والخرطوم تلمست الرغبة الحقيقية في بذل الجهد في هذا المجال خاصة من الكوادر الواعية والشابة التي تستقرئ المستقبل .* هل تجاوزتم الخلاف مع بعض القيادات التاريخية الممسكة بالحزب؟- هنالك خلافات ذات طابع شخصي وهذه تم تجاوزها لأنه لا يوجد سياسي ذي بصيرة يبقى على «حزازات» النفوس كابحاً له من التقدم للامام في علاقاته السياسية والاجتماعية أما الخلافات المنهجية فالحوار هو الآلية المثلى لتخطي عقباتها.* ماذا تود قوله في خاتمة الحوار؟- أنا مهموم للغاية بالبناء الوطني السوداني المعافى وابذل جهداً في المجال الأكاديمي والسياسي بقدر ما أوتيت من قدرات رغم محدوديتها في هذين المجالين، لعلي أفي بالجزء اليسير من هذا الطموح أردت بذلك مناشدة كل الأوفياء من أهل السودان لتجاوز المرارات والخروج بهذا الوطن الى رحاب أوسع ويستحضرني قول الشاعر:لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلهاولكن أخلاق الرجال تضيق

ليست هناك تعليقات: