الثلاثاء، 15 يوليو 2008

رغم أهميتها ...الجسور وحدها لا تكفي لإزالة الإختناقات



الخبراء: إزالة المطار والثكنات العسكرية مدخل لزوال التكدس في الطرق* احتفلت ولاية الخرطوم مطلع العام الحالي ببدء التشغيل التجريبي لكبري الجريف المنشية، وذلك في وقت شهدت فيه طرق العاصمة تكدساً غير مسبوق بسبب الاختناقات المرورية.. وبلغ متوسط الكثافة «170» سيارة على الكيلومتر الواحد من الطرق ذات الكثافة العالية، والتي يبلغ طولها «790» كيلومتراً، من جملة طرق العاصمة التي يتجاوز طولها «3» آلاف كيلومتر. ولما كان الاقتصاد الوطني يشهد ارتفاعاً مضطرداً في معدلات النمو جعلته يصعد بالبلاد للمرتبة الخامسة في قائمة اكثر الاقتصاديات نمواً وسط دول العالم مما يعني أن واردات البلاد من السيارات ستتضاعف لتشكل الزيادة في عدد السيارات عبئاً اضافياً على الطرق والجسور مما يهدد بحتمية الاختناق المروري ما لم تقم سلطات الولاية بإنشاء المزيد من الطرق والجسور والأنفاق.في المساحة التالية تعمل «الصحافة» على التحقيق في هذا الامر مستصحبة آراء ورؤى الخبراء والوقوف على استراتيجيات الجهات ذات الصلة في التخطيط العمراني وشرطة المرور.تحقيق: بله علي عمر اعتمد التخطيط العمراني للعاصمة على ثلاث خطط عمرانية وذلك منذ عام 1958م، شملت مخطط دوكسايدس في 1958 والذي اوصى بضرورة انشاء عدد من الجسور على النيلين الابيض والازرق ونهر النيل الرئيسي، تم تنفيذ كبري شمبات وكبري القوات المسلحة، اما مخطط «مفت» الذي تم وضعه في 1976م فقد اوصى بانشاء ستة جسور، اثنان منها على النيل الازرق «سوبا، المنشية»، وجسران على النيل الابيض، وآخران على النيل الرئيسي.اما المخطط الاخير تقدم به دوكسايدس وعبد المنعم مصطفى عام 1990. ويشير دكتور سيف الدين صادق حسن المحاضر بكلية الهندسة جامعة الخرطوم ان لكل من هذه الخطط رؤيتها المتكاملة وتوصياتها الخاصة بكيفية الربط الوثيق بين استخدامات الارض ومنظومة النقل والحركة ومع مراعاة خصوصية العاصمة المكونة من ثلاث مدن كل واحدة منها قائمة بذاتها.تراكم القضيةإن التعامل التخطيطي مع قضية الجسور في المدينة سواء العابرة منها أو الواصلة باتت قضية تراكمية بسبب عجز السلطات في السابق عن انفاذ التوصيات، مما دفع السلطات فيما بعد لإعادة صياغة كمية ونوعية للمتغيرات الحضرية والعوامل المؤثرة في قرار إنشاء وموضع وحجم اي جسر من الجسور. ومن سلبيات تجاهل المخططات السابقة وفقاً لرؤية الدكتور سيف الدين الإبقاء على المطار في موقعه الراهن رغم ان مخطط دوكسايدس الاول قد اوصى بضرورة نقله مع الثكنات العسكرية حتى تغدو منطقة المطار امتداداً لمركز المدينة علماً ان وجود المطار والثكنات يشكل عائقاً رئيسياً في الربط الشبكي والوظيفي بين اجزاء المدينة، وانعكس الابقاء على هذه المناطق في خنق الحركة وفصل للتكامل الوظيفي للمدينة.مهندس ياسر شيخ الدين اتفق في رؤيته مع دكتور سيف الدين، وقال إن عدم اخذ السلطات في الفترات السابقة بالرؤى الهندسية والـ (master plan) قد ادى لبروز العديد من الاخطاء تسهم الآن في الاختناقات المرورية فيما ذهب المهندس عبد الله الصادق الى ان محدودية مداخل الخرطوم التي لا تتجاوز التسعة مداخل قد اسهمت في بروز ازمة حقيقية اضافة لوجود ازمة تقاطعات وازمة مواقف، بيد ان المهندس زروق عبد القادر الذي عمل لفترة بإدارة التخطيط بوزارة الشؤون الهندسية ولاية الخرطوم يرى ان اختناقات المرور بالخرطوم سببها تمركز الخدمات بوسط المدينة وذلك ماذهب اليه العميد عثمان عبد الله ابو سن مدير إدارة المرور بالخرطوم الذي يرى ان ازالة الاختناقات المرورية مرتبط بإعادة توزيع المؤسسات الخدمية داخل العاصمة، وهذه الرؤى لا تختلف مع استراتيجية دكتور سيف الدين صادق الذي يشير الى ان تحرك وتكدس هذا الكم الضخم من السيارات بمنطقة لم تزد سعتها منذ «50» سنة قد اسهم في تفاقم المشكلة.كيفية الخروج من الازمةوفقاً لرؤية إدارة المرور يقول العميد عثمان عبد الله ابو سن مدير مرور الخرطوم إن المدخل للحل هو اعادة توزيع المراكز الخدمية حتى لا يضطر المواطن للتوجه لمركز المدينة لقضاء كل احتياجاته التسويقية والديوانية «الاجرائية» اي نقل الخدمات المتمركزة، بوسط المدينة مع ضرورة ولوج الدولة وتشجيعها الاستثمار في المواقف، اضافة لاستغلال السكة الحديد والنقل المائي مع ضرورة الاعتناء بهندسة المرور وتنظيمها فيما اتفقت رؤيته في ضرورة المضي لانشاء المزيد من الجسور والكباري العلوية، فيما طالب المهندس زروق بضرورة البحث عن بدائل حقيقية وجذرية تصعد بالخرطوم لمصاف المدن العالمية خاصة في ظل توفر الموارد المالية التي اتاحها تدفق النفط، وفي ظل وجود كفاءات بشرية. ويمضي زروق في حديثه لنا أن المطلوب وضع خطة طويلة الأجل لإنهاء الاختناقات والتكدس المروري بدلاً عن الحلول محدودة الاجل، وان تستصحب تلك الرؤى مستقبل المدينة بالواقع الاقتصادي الذي يبشر بخير عميم خاصة في ظل وجود مساحات يمكنها مقابلة اي توسعات مرتقبة في مجال الطرق والانفاق، وذلك من خلال اعادة توزيع المؤسسات الحكومية والوزارات في منطقة الخرطوم شرق خاصة ان اعادة توزيع وانشاء هذه المؤسسات والتوجه للبناء الرئيسي يجعل الخرطوم سهلة التشكيل.من جانبه اكد المهندس ياسر شيخ والذي يبدو اكثر حماساً للجهود التي تبذلها الولاية في مجال الطرق والجسور، ويقول إن حكومة الولاية ورغم ما ورثته من مشاكل مزمنة في الطرق والجسور إلا انها اعطت هذا القطاع اهتماماً متعاظماً لإدراكها بأن الكباري هى المدخل لازالة الاختناقات المرورية الراهنة داخل الخرطوم، وفي الطرق الدائرية المحيطة. غير ان مهندس ياسر الشيخ استدرك قائلاً «التقاطعات داخل المدن تحتاج لجسور طائرة، صحيح انه تمت توسعة للشوارع ولكن تقاطعات الطرق الرئيسية تحتاج لمعالجة ان كانت انفاقاً او جسوراً علوية، ان هذه المشاريع تحتاج لتمويل ضخم، فالولاية قامت بتشييد الكثير من الطرق والجسور وهى تعتمد على مواردها الذاتية بما في ذلك جسرا الانقاذ والمنشية. ان المتطلبات المالية لتشييد الجسور العلوية والأنفاق وغيره يحتاج لدعم قومي ضخم».فيما يبدو مستقبل المرور بالعاصمة اقل حدة لدى دكتور سيف الدين صادق الذي يشير الى ان بدء تنفيذ نقل مطار الخرطوم لموقعه الجديد غربي ام درمان اضافة لنقل الثكنات العسكرية من موقعها الراهن مما يؤدي لتوسيع مركز المدينة واعادة هيكلة مركز المدينة القديم، كما ان نقل المطار والثكنات مع عمل الجسور العابرة والواصلة يضمن تكامل وظائف المركز من المدن الثلاث لتبدو العاصمة كمدينة ثلاثية المركز، وبذلك يسهل تكامل المركز مع بقية الوظائف الحضرية. وطالب دكتور سيف بضرورة بقاء المركز التاريخي مع تجديده خاصة ان بقاء المركز مهم جداً في المحافظة على شخصية المدينة ذات الاغراءات التي يجب استغلالها حضرياً وسياحياً واقتصادياً بما لا يضير اداء المركز.قول التخطيطجلست للمهندس اسامة عبد السميع مدير إدارة الطرق والجسور بوزارة التخطيط العمراني للإلمام برؤية الوزارة حول اختناق الخرطوم، فقال ان اي عمل تقوم به الولاية في مجال الطرق والجسور يأتي ضمن منظومة مدروسة حتى ينتهي الامر الى اقامة وتشييد شبكة طرق متكاملة تسهم في ازالة اي اختناق مروري. ومركز الخرطوم ليس بمعزل عن ذلك، فمثلاً هنالك الطريق الدائري الداخلي الذي يربط مراكز المدن الثلاث ستتم معالجة التقاطعات الرئيسية كافة به مع توسعته وتأهيله، ويقع ضمن هذا المحور جسر جامعة السودان.وهناك الطريق الدائري الاوسط الذي يقع في اطراف المنطقة السكنية ويشمل ثلاثة جسور على النيل، وفرعية هى «الحلفايا، الدباسين، سوبا»، وقد بدأت سلطات الولاية تشييد كبري الدباسين وجزء من الطريق الدائري بمنطقة بحري، وبقية المشروع بام درمان والخرطوم. فيما انتهت الدراسات بجسري سوبا والحلفايا وتجرى الآن عمليات التعاقد لتشييدهما.الغرض من انشاء الطريق الدائري الخارجي تحويل مسار الشاحنات العابرة الى طرق المدينة ومنعها من دخول وسط المدينة.وتمضي استراتيجية الولاية في ربط اجزاء المركز من خلال التنسيق مع القوات المسلحة لفتح شارع البلدية عبر القيادة العامة وربطه بشارع الزرائب حتى جسر المنشية. وتجري الوزارة تخطيط شبكة طرق بمنطقة المطار وسيتم تنفيذها في اعقاب نقل مطار الخرطوم.تتضمن رؤى واستراتيجية الوزارة لإزالة تكدس السيارات والاحتقانات المرورية خطة قصيرة المدى تتمثل في تعميم اشارات المرور واعادة تأهيل الطرق بالمركز، كما تتضمن العديد من الانفاق والجسور العلوية خاصة الطريق الدائري الداخلي وهي قيد التصميم، وستتم المعالجة وفقاً لحجم المرور على كل تقاطع حسب اشارة الدراسات، كما توجد خطط متوسطة الاجل وطويلة الاجل تستصحب مآلات النمو الاقتصادي المتزايد.من المحررمن خلال إفادات الخبراء في تخطيط المدن، والعمارة، وهندسة الطرق والجسور، المرور، والوقوف على استراتيجية وزارة التخطيط العمراني فإن اعادة توظيف الارض خاصة في ظل نقل المطار والثكنات العسكرية، وفي ظل مطالبة المؤسسات الحكومية التخلي عن «الحيشان» والتوجة للبناء الرأسي، فإن ذلك ينعكس ايجاباً من خلال توفر مساحات كافية لإنشاء وتشييد الجسور العابرة والواصلة، والأنفاق غير ان ارتفاع تكاليف انشاء مثل هذه المشروعات يتطلب دعماً ضخماً من الحكومة المركزية، وان لا تترك الأمر لموارد الولاية المحدودة، كما ان اعادة توظيف الارض يعني ان على الوزارات والمؤسسات الحكومية الاتجاه نحو البناء الرأسي، وذلك توجه لا تقبله المؤسسات الحكومية إلا بوقفة صلبة وصارمة للجهاز التنفيذي للحكومة المركزية خاصة ان هنالك عينات من المؤسسات «المستأسدة».

ليست هناك تعليقات: