الأحد، 13 يوليو 2008

في السودان : تكريس السياسات لافقار الامة !


تحقيق : بله علي عمرتواترت الأنباء بين الأهالي في تلك القرية الريفية بوسط البلاد عن اعتقال ابن القرية الفاضل وايداعه السجن بالخرطوم بسبب الانهيار المفاجئ لاعماله الاقتصادية الكبرى والتي امتدت خيرا لاهل قريته ، فبعد عودة الرجل من الاغتراب باحدى دول البترول والذي امتد لسنوات تجاوزت اصابع اليدين عاد (....) لوطنه وعمل لانشاء شركة صغيرة عملت في مجال الاستيراد والتصدير وكان ان غدت شركته الوكيل المعتمد بالسودان لاحدى الشركات العالمية وصاحبة الماركة الشهيرة لمدخل استراتيجي حيوي . وبعد ان فتح الله على هذا الشاب لم يتجاهل اهله ، كما يفعل الكثيرون من محدثي النعمة فقام باستيعاب العشرات من ابناء بلدته في مختلف الوظائف بالشركة سائقين وعمال ومحاسبين وسعاة كل وفق مؤهله وخبراته ،وعمد الرجل الى تشييد واعادة تأهيل كافة المؤسسات الخدمية بمنطقته من مدارس كما اقام مشفىً ريفيا كبيرا وفر الخدمات الصحية لابناء القرية والقرى المجاورة و كانت لمساهمة الرجل دورها الفاعل في توصيل خدمات التيار الكهربائي بالمنطقة ، (.....) كانت دعوات المرضى بالمستشفى والمصلون بالمساجد وكافة اسر العمال تدعو بالخير لهذا الشاب الفاضل كما ان الكثيرين من مراقبي الحراك الاقتصادي بالبلاد يجمعون على ان الشاب سيكون من علامات العمل بالبلاد خاصة ان الرجل مشهود له بالاستقامة ودعم اعمال الخير ومن هنا جاءخبر انهيار اعمال وشركة (.......) بمثابة وقع الصاعقة على اهل القرية .واذا كان اعتقال (......) قد بذر الحزن وسط اهالي تلك القرية والقرى المجاورة بتلك الناحية من سهول الجزيرة فقد كان الحديث عن انهيار الشركات وسط المراقبين للحراك الاقتصادي وخبراء الاقتصاد امرا حتميا ونهاية طبيعية لمؤسسات القطاع الخاص بالبلاد في ظل السياسات الكلية والعقلية التي تدير الاقتصاد الوطني ، واذا كانت (الصحافة ) قد اشارت في تحقيق نشر الاسبوع الماضي اكد وجود بون شاسع وتباين في رسم وانفاذ السياسات الاقتصادية ، فبينما يؤكد رأس الدولة حرصه وحكومته على كبح جماح الفقر ، لم تقف افرازات النهج الراهن للسياسات الاقتصادية عند وأد اية محاولات لكبح الفقر وانما تمكن له مما يحتم على الحادبين على تماسك النسيج الاجتماعي والحراك الاقتصادي وعلى رأسهم الوسائط الاعلامية تسليط الضوء على هذا المشكل والطرق عليه حتى يتم الاصلاح . وفي هذه المساحة نواصل تسليط الضوء على مآلات السياسات الاقتصادية الراهنة على القطاع الخاص خاصة انه بات يقوم بدور الدولة في التوظيف واستيعاب الايدي العاملة.تعتبر مذكرة اتحاد اصحاب العمل لرئيس الجمهورية في التاسع عشر من سبتمبر الماضي مؤشرا حيويا تعطي القراءة المثلى لواقع ومستقبل هذا القطاع وبعد اشارة المذكرة لدور القطاع في دعم الحركة الوطنية ابان حقبة الاستعمار حتى نالت البلاد استقلالها مضت المذكرة الى تثمين دور القطاع في مكافحة الفقر وامتصاص البطالة ودعم الاقتصاد الوطني وكيف ان الاستراتيجية القومية الشاملة القت على القطاع مسئولية وطنية من خلال المساهمة في النشاط الاقتصادي بنسبة (72%) وحتى يقوم القطاع بدوره فقد ناشد اتحاد اصحاب العمل عبر المذكرة باتخاذ جملة من التدابير منها المشاركة في وضع السياسات الاقتصادية و منع الشركات الحكومية من القيام بانشطة اقتصادية واجازة قوانين المشتريات الحكومية والشفافية وقانون مكافحة الاغراق وقانون التنمية الصناعية وتنفيذ سياسة الاصلاح الضريبي مع تكوين جهاز قومي للايرادات يقوم باصدار وتحديد الرسوم والجبايات. ويذهب الدكتور محمد التجاني الى ان مذكرة اتحاد اصحاب العمل شخصت حالة العلة التي تهدد بالتمدد والقضاء على كافة انماط الحراك الاقتصادي فمثلا طالبت المذكرة بالمشاركة في رسم السياسات الاقتصادية لان واضع السياسات الراهنة اورد الاقتصاد حالة الركود والاختناق الراهنة كما ان وجود شركات حكومية ذات حظوة مكنها من سد الطريق امام القطاع الخاص اما المشتريات الحكومية فهي احدى الثغرات التي دفعت منظمة الشفافية العالمية لوضع الاقتصاد الوطني ضمن اكثر الاقتصاديات بالعالم التي ينخر فيها الفساد . يقول الدكتور محمدالتجاني ابراهيم ان القطاع الخاص يواجه حالة من الاختناق بسبب السياسات الكلية لاقتصاد الدولة التي لم تستصحب مآلات العديد من توجهاتها السالبة كما ان حالة الحراك الاقتصادي الراهن يدلل على ان واضعي ومنفذي السياسات كانوا قصيري النظر فعلى سبيل المثال كان على واضعي السياسات ان يجعلوا للقطاع الوطني الخاص نسبة معتبرة من قطاع الاتصالات . ان جملة ايرادات قطاع الاتصالات بالسودان تتجاوز الثلاثة مليارات من الدولارات في السنة تقوم الشركات المستثمرة في هذا القطاع بتحويلها للخارج فلو كان هنالك شريكا وطنيا لصب نصيبه في دائرة الاقتصاد علما ان هذا القطاع يشهد نموا مضطردا ، كما ان قطاع المقاولات والانشاءات الذي بات القطاع الاكبر والاكثر اسهاما في دعم الاقتصاد في اعقاب انهيارالقطاع الزراعي وبذلك صار قطاع المقاولات والانشاءات يساهم بحوالي (70%) من الجملة، الآن فقد بات هذا القطاع مواجه بالتجفيف بسبب السياسات وبسبب ضعف القوة الشرائية والطلب على سوق العقارات كما ان شركات المقاولات باتت فقيرة وغير مؤهلة للقيام بدورها وتعتبر السندات المرتدة وهي ديون الشركات على الحكومة مقابل مقاولات وانشاءات انجزتها شركات القطاع الخاص وفشلت الحكومة في الايفاء بتسييل سنداتها لتعاقب هذا القطاع وتسهم في تجفيفه .عادل شبيكة صاحب احدى شركات القطاع الخاص انتقد سياسات بنك السودان التي اسهمت في تجفيف القطاع ويرى شبيكة ان ضعف الجهاز المصرفي بسبب تضارب السياسات المالية وسيطرة البنك المركزي على ادارات المصارف مما افقدها القدرة على ابتداع منتجات مصرفية تواكب عملية الحراك الاقتصادي . ويرى عبدالعزيز محمد الحسن مدير احدى شركات القطاع الخاص ان جملة السياسات الاقتصادية لها آثارها السالبة على الانتاج عموما وعلى القطاع الخاص ، اضافة الى انها تفتقر للرؤى العلمية والبحوث مستدلا على قوله بان قطاع النقل البري بالبلاد يمر باخطر فتراته عبر تاريخه بسبب الاخطاء واللامبالاة عند واضعي السياسات فبينما نجد ان جملة صادر و واردات البلاد من السلع في حدود (7) مليون طن نجد ان الدولة سمحت بدخول مواعين نقل وشاحنات لاقتصاد تبلغ جملة صادراته ووارداته (30) مليون طن فماذا كانت نتيجة هذا التوجه ؟ جاءت النتيجة ان المئات من الشاحنات باتت عاطلة عن العمل تسد مداخل المدن في الخرطوم ومدني وبورتسودان وعجز اصحابها عن الايفاء بالتزاماتهم تجاه المصارف وباتوا يواجهون الاقتصاد واكد عبدالعزيز محمد الحسن ما ذهب اليه المتحدثون من ان السياسات الكلية للدولة والتي اعتمدت السندات مبرئة لذمة الدولة تجاه القطاع الخاص لترتد هذه السندات وتنعكس سلبا على القطاع الخاص ، كما ان اعتماد الدولة على ايرادات الجبايات والضرائب وزيادتها اكثر من مرة في العام الواحد ضاعف من الضغط على القطاع في ظل غياب سياسات مالية واقتصادية واضحة نحو القطاع كما ان المطالبة بالرهن العقاري رغم ان اصول المشاريع المستهدفة بالتمويل يغطي مبلغ التمويل دفع الناس للزهد في البحث عن التمويل.الفاتح احمد عبدالرحمن خبير اقتصادي والمدير الاسبق لمؤسسة التنمية الاجتماعية قال للصحافة ان السياسات الكلية للاقتصاد لا تستهدف تنمية ونمو القطاع الخاص او اجتثاث الفقر مشيرا لتجربته قائلا : ( ابان تولينا مسئولية مؤسسة التنمية الاجتماعية سعينا للجلوس مع المصارف لتدارس كيفية المساهمة في الحد من الفقر وذلك في وقت كان فيه بنك السودان قد وجه المصارف بتوجيه (5%) من رأس المال لتمويل مشروعات التنمية الاجتماعية ومحاربة الفقر ولكننا فشلنا لان البنوك تدار بواسطة مجالس الادارات وليس وفقا لقوانين وتوجيهات البنك المركزي هذا بالنسبة للفقر اما افقار القطاع الخاص فنلمسه في اثقال كاهله بالجبايات والرسوم والاغراق واسناد المشاريع التنموية الكبرى للشركات الاجنبية .انتقادات الاقتصاديين وخبراء الاجتماع للسياسات الاقتصادية التي يرون فيها المتهم الرئيس دفعتني للجلوس للدكتور بابكر محمد توم الرئيس المناوب لللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني والذي يصنفه الكثيرون كاحد واضعي وراسمي السياسات الاقتصادية بالبلاد . قلت للرئيس المناوب لللجنة الاقتصادية بالبرلمان : هنالك اتهام صريح لواضعي وراسمي السياسات الاقتصادية بانها تساهم في تجفيف القطاع الخاص ؟ فقال : ( تاريخيا هنالك مخاوف من القطاع الخاص تتمثل في كونه داعماً للمعارضة وتعود هذه المخاوف الى حقبة الاستعمار عندما كان الاقتصاد الوطني داعما للحركات الوطنية لذلك قدم الانجليز وفي معيتهم جلاتي هنكي وميشيل كوست وذلك بهدف سد الطريق امام القطاع الخاص. وفي عهد مايو كان التأميم الذي قصم ظهر القطاع الخاص بعد ان استهدف نميري القطاع الخاص والذي وصفه بالعمالة والرجعية وبعد عودته عاد القطاع تحت رحمة الحكومة التي قربت بعضه فميزته ومنحته الفرصة للنمو )) وبعد ان اطبق صامتا عاد الدكتور بابكر للحديث قائلا : (قيام شركات حكومية اوقف نمو القطاع فتضخم القطاع العام وبات نهما ولم يترك شيئا للقطاع الخاص وتأتي ذهنية القائمين على امر الاقتصاد بالدولة الذين ينظرون للامتيازات التي وفرها القانون للمستثمرين كفاقد ايرادي فهذه العقلية تسد الطريق امام نمو الاقتصاد والذي يعني زيادة الموارد ، كما ان الولايات ليست لها رؤى واضحة في الاستثمار لينعكس ذلك القصور على القطاع الخاص ) ومن المؤسف ان الاستراتيجية الخمسية التي تعول على القطاع الخاص المساهمة بحوالي (71% ) في حركة اقتصاد البلاد ورغم ذلك لم تفرد له محورا خاصا وانما وضعته في محور الادارة الاهلية والطرق الصوفية .من جملة الافادات التي استصحبناها نخرج بان هنالك مخاطر حقيقية على القطاع الخاص وحتى نخرج بالقطاع من المخاطر المحيطة علينا الاجبابة على التساؤل عن كيفية الخروج من الازمة : وفقا لعادل شبيكة فان المطلوب اعادة النظر في الصيغ التمويلية الحالية ومعالجة مشاكل الجهاز المصرفي حتى يعود قادرا على تمويل الانماط الاقتصادية خاصة التمويل طويل الاجل ومتوسطه اضافة الى شفافية الدولة في توزيع عطاءات المقاولات للقطاع الخاص وقيامها بمسئوليتها بتمويل هذه المشروعات بالتعاون مع الجهاز المصرفي وليس عن طريق الشركات المنفذة، بمعنى ان لا تترك الحكومة امر تمويل مشاريعها للشركات المنفذة كما ان خروج الحكومة وشركاتها وترك السوق للقطاع الخاص بات حقيقة تتطلب وضعها موضع التنفيذ، فيما ذهب الفاتح احمد عبدالرحمن الي ضرورة اعادة تقييم قيادات الخدمة المدنية خاصة راسمي السياسات الاقتصادية والقائمين على امر انفاذها لانهم - وفق رؤية المتحدث - اس المشكل كما ان تنمية القطاع الخاص تتم من خلال تنمية صغار المنتجين على ان تصدر الدولة من القوانين ما يردع تلك الجهات التي تعتمد في مواردها على الجباية من هذه الشرائح ، من جانبه يرى الدكتور بابكر محمد توم ضرورة نشر الوعي بين منسوبي الوحدات الاقتصادية بأهمية القطاع الخاص وتنميته كاداة مثلى لمواجهة الفقر لمساهمته في خلق فرص العمل وان لا ينظر هؤلاء للاعفاءات كفاقد ايرادي بل انها تضاعف الايرادات حال قيام تلك المشروعات اضافة الى ضرورة تجفيف الشركات الحكومية وخلق البيئة الموائمة لنهضة ونمو القطاع الخاص.

ليست هناك تعليقات: