الأربعاء، 16 يوليو 2008

الصحافة تفتح ملف الاجانب بالبلاد (1)

الصحافة تفتح ملف الاجانب بالبلاد (1)
العمالة الاجنبية امتصت عائدات النمو وعمقت المشكل الاجتماعي

تحقيق : بله علي عمر
تصدر الحديث عن الوجود الاجنبي كافة الوسائط الاعلامية خلال الفترة الماضية وبلغ ذروته ابان تغطية هذه الوسائط لورشة العمل التي عقدتها لجنة الامن والدفاع بالمجلس الوطني ايام 31مارس –الثاني من ابريل الجاري والتي جاءت تحت عنوان "الوجود الاجنبي واثره علي الامن القومي السوداني " ورغم ان (الصحافة ) قد نشرت عددا من التقارير ضمن تغطيتها لفاعليات الورشة الا انها وايمانا بحيوية الامر تعمد عبر المساحات التالية للعودة للتحقيق في الامر مع التركيز علي محور العمالة الاجنبية واثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية فاضافة لما تشكله العمالة الوافدة من استنزاف للموارد الاقتصادية نظير الأجور التــيتتقاضاها وإلى التكلفة المالية غير المباشرة لهذه العمالة المتنامية نتيجة لتحمل الدولة الجانب الكبير من هذه التكلفة عن طريق الدعم المباشر وغير المباشر للخدمات (الرعاية الصحية والتعليمية ، والمواصلات ، الكهرباء ، المـواد الغذائية … الخ ) واضافة لذلك فهناك تكلفة ما يسمي بأجر الظل (Shadow Wages) بأكثر من ضعفي الأجر النقدي ومن مخاطرها انها تتزايد في وقت تتزايد فيه نسبة البطالة في المجتمع .
واضافة لما يردده الخبراء من ان الطفرة النفطية خلال الخمس سنوات الأخيرة و ازدياد العائدات النفطية وراء استجلاب العمالة الوافدة الماهرة والعادية ، وذلك للرغبة في توفير الحياة العصرية الحديثة للمواطنين وتهيئة الظروف المناسبة للتوسع في مشروعات الإسكان والطرق وغيرها من مشروعات البنية الهيكلية ومختلف الخدمات الأخرى فان تدني أجور العمالة الوافدة و الموقع الاستراتيجي للسودان.


العمالة الموجودة في السودان من قارات العالم كلها تقريبا وتشكل آسيا نسبة 54% من جملة العمالة الوافدة حيث يبلغ عددهم (16274) ويتمركزون في قطاعات حيوية مثل (البترول والكهرباء والطرق والجسور) وتحتل الصين المرتبة الأولى بنسبة عمالة وصلت إلى (51%) من إجمالي عدد الآسيويين بالسودان. وهناك عمال من باكستان والهند وبنغلاديش والفلبين وأغلب عمال هذه الدول يعملون في القطاع الصناعي كالسكر والصناعات الغذائية والمهن اليدوية التي تتطلب مهارة عالية في مجالات كالبناء والتشييد والنسيج والمجالات الطبية كالمستشفيات ومهنة خدم المنازل والمربيات. لدينا في السودان عمالة من دول آسيوية عربية مثل سوريا ولبنان التي ارتفع عدد عمالها المقيمين بالسودان من (288) عاملا في العام 2003م إلى (311) في العام 2004م فيما ارتفع عدد العمال السوريين من 642 عام 2003م إلى 653 في العام 2004م. ويعمل أغلبهم في تجارة الأطعمة والكافتيريات والفنادق وقيادة الشاحنات والبصات السفرية.

العمالة الإفريقية وفقا لسجلات مكتب العمل الخارجي وهو الزراع الرسمي المعني بتنظيم العمالة الوافدة معظمها من مصر وأثيوبيا واريتريا والنيجر والصومال ونيجيريا وعددهم حوالي 11869 ويعمل معظم المصريين في مجال التدريس والبناء والتشييد بينما تتركز العمالة الإثيوبية والاريترية في العمل بالمطاعم وقيادة الشاحنات والحلاقة وخدم المنازل والمهن البسيطة مثل بائعات الكسرة والشاي... ويعمل عمال النيجر ونيجيريا في مهن هامشية كالعتالة (حماليين ) وصيانة الساعات والأجهزة الكهربائية وأعمال الدجل والشعوذة.وأما العمالة الأوروبية فقد ارتفع عددها من 5785 عاملا في العام 2003م إلى 6670 في العام 2004م ومعظمهم من تركيا وبريطانيا ويعمل هؤلاء في مجالات النقل والمطاعم والمخابز والكافتيريات والمهن الحرفية الماهرة كالبناء والتشطيب والديكور وصناعات الألمونيوم والأخشاب.

و الوافدون من الأمريكتين وهم غالبا من كندا وأمريكا يعملون في المنظمات الدولية والاغاثية ويعملون أيضا كخبراء في المجالات الحيوية بالبلاد.
سالت شرف الدين احمد حمزة المدير السابق لادارة العمل الخارجي وهي الادارة المعنية بتنظيم ووضع التخطيط الاستراتيجية للعمل على المستوى الاتحادي ما هي اسباب كثافة وجود العمالة الاجنبية بالبلاد؟ فاجابني قائلا : (في ظل ارتفاع معدلات نمو الاقتصاد فان المخطط الاقتصادي عمد لتنفيذ خارطة متنوعة رأسيا وافقيا في مجالات التنمية المستدامة خاصة في قطاعات الطرق والجسور والسدود اضافة لمشروعات السكر والاسمنت والحديد والصلب والاسمنت وصناعة السيراميك اضافة لثورة الانشاءات العقارية التي تشهدها البلاد، كل ذلك حتم ضرورة استقدام العمال المهرة لتنفيذ وادارة هذه المشروعات، كما ان تدفق العمالة الاجنبية يمثل احدى السمات الرئيسة للعولمة الاقتصادية اضافة الى ان حركة الاموال لا تقف عند الكتلات النقدية فقط وانما تشمل العمالة المدربة والمؤهلة لادارة هذه الاموال اينما حلت
مصطفي ابراهيم الحاج - اقتصادي لا يتفق في رؤيته مع بعض النقاط التي اثارها المدير السابق لادارة العمل الخارجي خاصة قوله كان يمكن ان تأتي حالات النمو المتصاعد للاقتصاد الوطني بردا وسلاما على اهل السودان وتساهم في امتصاص جيوش الخريجين الذين وجدوا الطريق مسدودا امام الحصول على الوظائف بسبب قصر نظر المخطط الاقتصادي الذي لم يول قضية العمل ما تستحق من اهتمام. فقد كان يمكن تأهيل احد مراكز التدريب الفني ومده بأحدث التقنيات واسباب التدريب لتخريج المئات من العمال المهرة لقطاع النقل على سبيل المثال وبذلك فإن صاحب الشاحنة لا يجد نفسه مضطرا لاستقدام الاجانب وكذلك في مجالات الانشاءات والبناء
ويري محمد الامين الحاج المقاول في قطاع الانشاءات ان هنالك انفلاتا في سوق العمل سببه ضعف القوانين والنظم وافتقار الجهات المعنية بضبط ومراقبة العمالة الوافدة التي تدفقت بكثافة علي البلاد وباتت تسد الطريق امام العمالة الوطنية حتي في الوظائف الدانيا والهامشية ما دفعني لسؤال شرف الدين احمد حمزة المدير السابق للادارة العامة للعمل : (هل كل العمالة الوافدة من العمال المهرة الذين يسهمون في دفع الاقتصاد ؟) فاجابني : (يجب ان نفرق بين العمالة الرسمية التي تأتي عبر القنوات الرسمية وتلك الهامشية القادمة عن طريق المنافذ الحدودية المتعددة للسودان.فالاولى تمثل الحاجات الاساسية المطلوبة وفق معايير العمل الوطنية والاحتياجات الحقيقية لسوق العمل وهذه بالتالي داعمة للاقتصاد الوطني وذات اثر ايجابي عام اما المجموعة الثانية فغالب منسوبيها بلا قدرات وعمال هامش بعضهم متفلتين من معسكرات الايواء، وهو بذلك يتفق مع الاستاذ السماني احمد الحاج المتخصص في اقتصاديات العمل الذي يشدد على اهمية العمالة الوافدة خاصة في قطاعات النفط وصناعات الانشاءات كالطرق والكباري والبنايات الرأسية رغم ان مجيئها كان خصما على العمالة الوطنية وبالتالي انعكس مجيئها سلبا على القضية الاجتماعية.ولا يخفي المدير السابق ادارة العمل ازعاجه لكون الوظائف التي تحصل عليها العمالة الوافدة جاءت خصما على العمالة الوطنية وشباب الخريجين قائلا :(ان العديد من اوجه الانشطة الاقتصادية تعتمد على العمالة الوافدة بصورة كاملة كتلك التي تأتي عبر اتفاقيات ما يسمي بتسليم المفتاح حيث تستحوذ العمالة الاجنبية على جل الوظائف في هذه مشروعات هذه الاتفاقيات باعتبار ان تمويل وتنفيذ هذه المشروعات يتم بواسطة تمويل وتنفيذ اجنبيين وقد ارتفعت معدلات مثل هذه الاتفاقيات) وهنا قاطعت محدثي متسائلا: ولكن لماذا لا نطالب بنصيب من العمل للعمالة الوطنية ؟ فاجابني شرف الدين احمد حمزة ( تقدمت وزارة العمل لكل الجهات المعنية بالتخطيط الكلي والسياسات لضمان حصة مقدرة من فرص العمل للعمالة الوطنية في هذه المشروعات).
مكاتب استقدام الاجانب ظلت تواجه بانتقادات حادة لانها تستقدم عمالة اجنبية دون استصحاب الابعاد الاجتماعية والثقافية وموروث اهل السودان ويذهب البعض الي انها تنتهج الفوضى ما دفع الادارة العامة للعمل لمراجعة النظام وقد تم تعديل لوائح وشروط منح التصديق والرقابة المباشرة علي ادائها الفعلي وبعد التنظيم بلغ عدد هذه المكتب (46) مكتبا لاستقدام الاجانب كما قررت لجنة الحسبة العامة بالمجلس الوطني حظر استقدام بعض العمالة لاجل الحفاظ على القيم والتقاليد كما صدر قرار من لجنة ضبط العمالة الاجنبية التي يرأسها وكيل العمل بحظر استقدام المربيات من الخارج. فيما نفى حيدر عبد الوهاب عبد الله مدير اعمال آمنة للاستقدام الخارجي ضلوع مكاتب الاستقدام في المجيئ بعناصر غير مرغوبة في المجتمع السوداني قائلا للصحافة: التجربة صاحبتها سلبيات في بداية تطبيق قانون استقدام الاجانب لعام 2004 وجاء اختراق وتجاوز القانون بواسطة بعض الجهات التي كان عليها انفاذ القانون، اذ تجاوزت هذه الجهات ادارة العمل، علما بانه ووفقا لاحكام قانون العمل فعلى اي مخدم ان يحصل على تصديق مسبق من مكتب العمل.

ليست هناك تعليقات: