الأحد، 13 يوليو 2008

المجتمع المدني في السودان الواقع والمرتجي


استجابة لدعوة كريمة من منظمة عصماء - وهي منظمة نسوية تعمل لتفعيل دور المرأة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية بالبلاد - كان على انابة جريدة (الصحافة) في حضور المنتدى الذي اقامته المنظمة تحت عنوان (دور المرأة النازحة في بناء السلام ومرحلة ما بعد الحرب) وذلك بقاعة الاجتماعات الدولية باتحاد المصارف صباح الخميس الماضي.تضمنت فقرات المنتدى افادات لبعض النسوة النازحات اشدن فيه بدور (عصماء) في تدريب النازحات وتعريفهن بحقوقهن المدنية وتلك التي نصت عليها العهود والمواثيق الدولية وكيفية حماية وصون هذه الحقوق والمكتسبات حتى يقمن بدورهن في البناء الوطني وترسيخ السلام في مرحلة ما بعد الحرب. النسوة اللائي تحدثن تلقين التدريب بمعسكرات النازحين في مناطق عديدة بالخرطوم والابيض وعطبرة وغيرها.ان القدرات المكتسبة للنازحات وتعدد المناطق التي تلقين فيها التدريب تؤكد ان المنظمة قد بذلت جهداً مقدراً - ليبرز التساؤل هل وصلت منظمات المجتمع المدني لمرحلة متقدمة من التنظيم والمؤسسية يجعلها قادرة على المساهمة في بناء مجتمع معافى يلتفت بكل شرائحه للبناء والتنمية في ظل التحولات الدولية الراهنة؟يعتبر المجتمع المدني احد المرتكزات الثلاثة للحكم الراشد والضلعان الآخران هما الدولة والقطاع الخاص ورغم ان المجتمع المدني يشمل النقابات والتنظيمات السياسية إلا ان مفهوم منظمات المجتمع المدني قصد به كافة المنظمات العاملة في قطاعات معينة وتلك التي تعمل مع الشرائح الاجتماعية غير المنظمة وهي عكس الاحزاب التي تستهدف القواعد الجماهيرية لاكتساح الانتخابات بينما تكون النقابات مهمومة لتحقيق مصالح عضويتها من العمال.ورغم ان منظمات المجتمع المدني قد ظهرت منذ عصر النهضة في القارة الاوربية إلا انها غدت اممية من خلال اتفاقيات ومواثيق البيئة وتلك المتعلقة بالتصحر والتنوع الاحيائي وظلت المؤتمرات الدولية تتيح للمجتمع المدني الفرصة في المشاركة وابداء رأيها في المؤتمرات الدولية كما ظلت منظمات المجتمع المدني تقوم بعقد منابر موازية لهذه المؤتمرات..مؤتمر كوتوتو ليحدث تحولاً مفصلياً لمنظمات المجتمع المدني عندما طالب وألزم كافة الدول المتلقية تدعم ومنح الاتحاد الاوربي بضرورة مشاركة منظمات المجتمع المدني ليس في الحكم فقط وانما الزمها بضرورة المشاركة في التخطيط الاستراتيجي لتعلو بعد ذلك صيحات منظمات المجتمع المدني ويخرج صوتها في نقد حاد وصريح للحكومات بصورة جعلت النسوة النازحات يتحدثن في منتدى عام عن حقائق واقعية عشنها وشاهدن كيف تم امتهان كرامة المرأة في الاحداث المصاحبة للنزاع بدارفور والجنوب الدكتور عبد الرحيم أحمد بلال الناشط المعروف وسط منظمات المجتمع المدني سألته عن كيفية تفعيل دور منظمات المجتمع المدني حتى تغدو قادرة على ملء الفراغ الذي تركه ضعف القوى السياسية فأجابني قائلاً لابد لمنظمات المجتمع المدني العاملة في قطاع معين، أو تلك التي تستهدف شريحة اجتماعية معينة ان تلجأ للتشبيك وذلك لتلبية احتياجات المواطنين وتحقيق الاهداف المنشودة وكانت تلك هي ذات الاجابة التي وقفت عليها عند سؤالي للبروفيسور فاروق كدودة الاكاديمي والسياسي المعروف والذي اضاف ان بروز منظمات المجتمع المدني والتي جاءت في اعقاب خروج الدولة عن تقديم الخدمات الاساسية في ظل غياب المنظمات السياسية جراء الوهن الذي اصابها في اعقاب القبضة القوية للانظمة الشمولية والتي شوهت لتبرز منظمات المجتمع المدني مما يحتم على هذه المنظمات ان تتشابك مع بعضها البعض.ورغم حداثة تجربة منظمات المجتمع المدني في السودان. قد تمكنت من رفع اسهمها ووجدت القبول من كافة الشرائح الاجتماعية خاصة تلك التي وجدت منها المناصرة في حدها الادنى مثل النازحين.. إلا ان الكثيرين لا يخفون عدم ايمانهم بعدم جدوى مثل هذه المنظمات فبينما يرى الحاج مضوي محمد احمد ضرورة النفخ في القوى السياسية حتى تتجاوز مرحلة بياتها الشتوي لتعود للمعترك السياسي ذلك انها بتجربتها وبإرثها التاريخي الاكثر قدرة على تحقيق قدرات الجماهير. ويتفق مع هذه الرؤية قرشي العوض الامين العام لحركة القوى الديمقراطي (حق) والذي حدثني قائلاً (اننا نفتقد للدولة المدنية في حدها الادنى فكيف لنا ان ننتظر من المجتمع المدني تحقيق المكاسب للجماهير). وذلك ما ذهب إليه دكتور أحمد المصطفى الذي حدثني قائلاً (علينا ان لا ننتظر قيام المجتمع المدني بتحقيق ما عجزت عنه القوى السياسسية الاخرى لا لشيء انما لأن الانظمة الشمولية ستعمل على محاصرة المجال الجمعي الذي تعمل فيه منظمات المجتمع المدني والعمل على الحد من حركته ولو كان ذلك بالطرق القانونية من خلال سن القوانين مثل قانون العمل الطوعي الذي اجيز مؤخراً وذلك رغم ان الدستور في وثيقة حقوق الانسان قد منح هذه المنظمات شرعيتها.. بل ذهبت الدولة لخلق منظمات موازية.ختاماً ورغم تباين الرؤى في تقييم تجربة منظمات المجتمع المدني بالسودان وكيفية تفعيلها حتى تقوم بما يليها نحو المجتمع فلابد من الاشادة ببعض هذه المنظمات وعلى رأسها المنظمات النسوية مثل جمعية المبادرات النسوية التي تقوم بدور حيوي في مجال محاربة سرطان الثدي بين النساء والتي تجاوزت مرحلة التوعية لاستجلاب احدث الاجهزة والمعدات التي تقوم بكشف المرض مبكراً في مجمعات النازحين والأحياء والأرياف.. وتحية لعصماء هذه المنظمة النسوية التي تعمل على تضميد الجراح وسط النازحات اللائي يعانين المرارات في اعقاب الحرب.. ودعونا نشد على ايدي كل المتطوعين بهذه المنظمات التي نعول عليها كثيراً في الحقبة المقبلة

ليست هناك تعليقات: