الثلاثاء، 15 يوليو 2008

سودانير هل تحلق من جديد؟


على متخذى القرار مراعاة الأبعادكابتن عبد الله سرداب: خسارة الفوكرز بلغت «27» مليون دولار والإملاء كان سيادياًإنتهينا في الحلقة الأولى إلى أنه نتيجة للخسارات المتلاحقة للخطوط الجوية السودانية وبعد فشلها الذريع في المحافظة على طائراتها، برز تيار قوي يطالب بضرورة تصفية الشركة وقيام شركة بديلة تستفيد من تجارب سودانير. وأشرنا إلى ان هنالك تياراً آخر يؤكد ان وجود سودانير أمر لابد منه لأنه يرتبط بالأمن الوطني وسيادة البلاد ويطالب داعمى هذا التوجه بضرورة إيجاد شريك استراتيجي.في هذه الحلقة نواصل ما بدأناه حول مصير سودانير.. نتلمس آراء الخبراء وأين تكمن الجدوى هل عبر التصفية أم الشريك الاستراتيجي؟!
إعداد: بله علي عمر
كابتن شيخ الدين: الإدارات المعينة وراء الأزمة.. والحل في الخصخصةمراقب: الإدارات وراء الأزمة
كابتن سيف الدين مرزوق سعد رئيس مجلس إدارة أيروست إحدى شركات مجموعة جاما للطيران ورغم أنه ينتمي للقطاع الخاص الذي يتبنى بعضه تصفية الشركة إلاَّ أنه يعضد خصخصة الشركة ويدافع عن رأيه بالقول «لقد حملت سودانير علم البلاد لأكثر من «50» عاماً وطدت خلالها اسم السودان بمناطق العالم المختلفة، وذلك أمر لا يقدر بثمن.إن سودانير كانت تحمل خلال عمرها العديد من السلبيات الإدارية بسبب الإدارات المفروضة من قبل الدولة ولم تكن هذه الإدارات تعلم شيئاً حول هذه الصناعة ذلك ان الوظائف القيادية للشركة كانت وفقاً للتوجه السياسي علماً ان أية وظيفة في الطيران لها وصفها الوظيفي الذي يتطلب مؤهلات خاصة.ويمضي كابتن سيف الدين إلى ان الحصار الاقتصادي الذي فرض على السودان استوجب استبادل طائرات الإيربص والبوينج واللجوء لاستخدام طائرات الانتنوف «24» المصنوعة أواخر الستينات.
ملامح الخلل الإداريوعن أبرز ملامح الخلل الإداري يقول كابتن سيف إن إدارة سودانير قامت بجلب الطائرات الروسية والتعاقد معها في حين ان مجموعة الشركات المحلية كان يمكنها مدّ سودانير بهذه الطائرات محلياً مما يترتب عليه توفير كثير من الأموال الصعبة. مشيراً إلى ان مجموعة جاما للطيران لديها «70%» من جملة الطائرات الموجودة حالياً بالسودان وكان يمكن استغلالها بدلاً عن التوجه للخارج.
الوصفة المطلوبةوعن كيفية الخروج من الأزمة يرى كابتن سيف الدين أن تتم خصخصة سودانير واستصحاب الشركاء المحليين عبر مجموعة الشركات الوطنية قبل اللهث وراء الشريك الأجنبي الاستراتيجي وان تنأى الإدارة الجديدة عن تدخلات الدولة.
وعن عجز القطاع الوطني في ضخ الاحتياجات المادية التي تمكن سودانير من النهوض، يقول كابتن سيف الدين إن المشكلة ليست في ضخ الأموال حتى يتم التوجه لخزاعة أو غيرها كما ان الشركات الوطنية العاملة في مجال النقل الجوي التي تفوق «28» شركة ظلت تقوم بدورها كاملاً طيلة عهد الإنقاذ في نقل الإغاثات والإمداد والعتاد للجنوب وغيره من المناطق، مما يؤكد قدرة هذا القطاع مضيفاً ان الشركات الوطنية وعلى رأسها أيروست بإمكانها الآن توفير الطائرات الغربية التي تحتاجها سودانير مع الأخذ في الاعتبار هيكلة الشركة وإعادة تشكيل إداراتها بصورة تضمن حقوق المساهم الوطني وتضمن تقديم خدمات مميزة تضاهي الخطوط المنافسة.
غياب الرؤى المنهجيةمعتز الحاج عبد اللطيف مدير إدارة خدمات الزبائن بسودانير قال إن معضلة سودانير تمثلت في قصور الإدارة التي لم تتبع سياسات منهجية طويلة المدى. وقد أدى تعاقب الإدارات ذات المشارب المختلفة منذ منتصف السبعينات إلى إنعدام الرؤية الاستراتيجية. كما قاد -وفقاً لرؤية معتز- إلى الوضع الراهن في الأسطول والعمالة.
ويقول معتز إنه وبرغم ما تعانيه سودانير إلاَّ ان وضعها التسويقي متميز من خلال مكانتها لدى الجمهور واتفاقياتها ووكلائها المنتشرين بالخارج. إضافة لحقوق النقل التي تتمتع بها وكفاءة المقدرات الخدمية والتسويقية للعاملين بها.
ثلاث مراحل لتجاوز المتاريسوعن كيفية الخروج من الأزمة يرى مدير إدارة الزبائن بالشركة أن ذلك ممكن عبر مرحلتين:
المرحلة الأولى ان تقوم الدولة بالاستثمار في سودانير عبر توفير قرض من إحدى الدول أوالمؤسسات الصديقة وأن تنتدب الدولة بيت خبرة متخصص في أعمال التنظيم والإدارة لتقييم الوضع الحالي وما يمكن ان تكون عليه مستقبلاً «إعادة بناء» ويشمل ذلك الأسواق والعمالة وان تكون الدعوة لبيت الخبرة عبر نشر الدولة لإعلان في المجالات المتخصصة.
والمرحلة الثانية تتمثل في التشغيل بإمكانات أفضل بوضع إداري جديد لفترة زمنية معينة، يتم خلالها تحسين الصورة وإعادة السيطرة على الأسواق لتحقيق مردود مالي مجزٍ قبل عرض الشركة الحديثة للخصخصة أو الدخول في تحالفات استراتيجية مع الشركات العالمية.
المطلوب اعتماد الربح والخسارةكابتن عمر علي حسن مدير إدارة العمليات بالخطوط الجوية قال في إفادته لـ «الصحافة» إن الذين يتحدثون عن عدم وجود ناقل رسمي أو وطني في الدول المختلفة حديث عارٍ من الصحة. فرغم وجود شراكات بين الدول والقطاع الخاص إلاَّ ان الدعم الحكومي للناقل الوطني يظل العمق الاستراتيجي لسياسة الدولة.
وفي حالة سودانير فإن وجود شريك استراتيجي أجنبي هو الحل الأمثل لقيام شركة طيران متكاملة تمتلك أسطولاً قادراً على منافسة الآخرين خاصة في منطقة الخليج، لا سيما ان الخطوط الممتدة غرباً وجنوباً ممهدة وصالحة لتحقيق مكاسب مادية في ظل وجود شركات متهالكة مثل ايرآفريك والنيجيرية واليوغندية.
ولا بد ان تتبع الشركة الجديدة بعض الأمور تتمثل في حساب الربح والخسارة كهدف استراتيجي وقفل منافذ السياسة التي تتسبب في زيادة المنصرفات، مثل المحطات الخارجية وان يتم استبدالها بوكلاء وان تكون الشركة هي المسؤولة عن تسيير السفريات واعتماد الخطوط المجزية من الناحية المالية.
ويقول كابتن عمر إن البنيات الأساسية لسودانير مشجعة لأي شريك إذ تتوفر العمالة المدربة التي تشكل الهاجس الأكبر لأي شريك يسعى للعمل في صناعة الطيران.
لا وجيع بين الحكوماتكابتن شيخ الدين محمد عبد الله نائب المدير الأسبق لسودانير قال إن أزمة سودانير اسهمت فيها كل الحكومات المتعاقبة بلا استثناء، وذلك من خلال التغييرات الإدارية التي لم تكن مبنية على الاستراتيجيات بل ظلت تأتي في إطار التوجهات السياسية لأن سودانير ملك للدولة. وعدم وجود الاستراتيجيات تجعل الشركة حقلاً لتجارب الإدارات التي لم تكن تستصحب المختصين في ضناعة الطيران كما ان هذه الإدارات ذات التوجه لم تكن معرضة للمحاسبة والمساءلة ليصل الأمر في نهاية المطاف للوضع الآتي لسودانير.وقال إن الدولة لم تولِ اهتماماً لسودانير لدرجة أنها في إحدى «شطحاتها» قررت تمليكها لبعض الدائنين لحكومة السودان.
قراءة في الأرقامويشير كابتن شيخ الدين إلى ان الشركة ورغم الأثر السالب لتعيين الإدارات سياسياً إلاَّ أنها أسهمت في الاقتصاد الوطني إذ بلغت جملة مبيعات سودانير في المتوسط «8.35» مليار دينار وتوفر «72%» من المكوِّن الأجنبي يدفع بالعملة المحلية مما كان سيدفع للشركات الأجنبية بالعملة الصعبة كما تقدر مساهمة سودانير في الموازنة العامة عبر الضرائب حوالى «4.4» مليارات دينار في المتوسط، ويقدر متوسط الإيرادات التي توفرها سودانير للطيران المدني بحوالى «6» مليارات دينار عبارة عن رسوم استخدام المطارات والخدمات الملاحية وتدفع الشركة «7» مليارات دينار سنوياً في دورة النقل المتداول عن طريق دفعياتها للعمولة ووكالات السفر فضلاً عن دفعياتها المتواصلة للمعاشات والتأمينات عبارة عن مساهمة العاملين.
أعيدوا الهيكلةويرى كابتن شيخ الدين ان الخروج من الأزمة يتطلب إعادة الهيكلة ومن ثم تطرح كشركة مساهمة تستوعب الشركات الوطنية كافة العاملة، ومن ثم يبقى القرار النهائى للشركاء الجدد. خاصة وأننا نعايش زمن التحالفات.وحتى تتم إعادة الهيكلة فعلى سودانير أن تقوم بمنح إجازة مفتوحة بمرتب لكل العاملين على ان تحتفظ بالأعداد القادرة على تسيير دولاب العمل، ولا أعني بذلك فصل العاملين.
لماذا حرص الشركاء الأجانب؟كابتن عبد القادر سعيد المشرف على الطائرات واتفاقياتها بسودانير قال إن سودانير بتاريخها وكادرها وأصولها تشجع المستثمرين للشراكة الاستراتيجية معها، بدليل ان شركة ساس عرضت على الشركة «400» مليون دولار بعد ان قامت بدراسة الأمر لسبع أشهر متواصلة وما كان لهذا الشريك ضخ هذه الأموال لولا يقينه بجدوى الشراكة وهذا يؤكد ان سودانير كشركة خدمية قادرة على تحقيق الأرباح.
المطلوب مراعاة هذه الأبعادكابتن عبدالله سرداب قال إن التداول في شأن سودانير على النحو الذي يجري الآن والهجوم المتواصل عليها يوحي باستباق لحدث آتٍ. منتقداً سعي البعض لتشكيل رأي عام يبرز سودانير وعمالتها وكأنهم يتقاضون رواتبهم من دافع الضرائب وخصماً على الكساء والدواء.
هذه الديون من تسبب فيها؟وأضاف سرداب في إفاداته ان هنالك أبعاداً سياسية واجتماعية وأمنية يجب على متخذي القرار استصحابها عند اتخاذ أي قرار حول سودانير. فسودانير هي التي ربطت البلاد بالمركز ولولاها لبرزت الحركات الانفصالية منذ وقت طويل. فالشركة هي التي نقلت الغذاء والدواء للجنينة ونيالا وواو.
وقال كابتن سرداب إن سودانير كانت تقدم نوعين من الخدمة، ففي النوع الأول هي شركة طيران تجارية تعمل وفق الربح والخسارة، تختار إدارتها كيف تشاء، وتوظف العاملين حسب الحاجة الفعلية، وتختار الخطوط بناءً على جدواها الاقتصادية، لا تخفض تذاكر ولا تدعم ولا تعطي التسهيلات وهذه الشركة هي التي يسعى نحوها المستثمرون الأجانب ليعرضوا مئات الملايين من الدولارات لأجل الفوز بالمشاركة فيها.
الوجه الثاني لسودانير هو الناقل الوطني الذي يتأثر سلباً وإيجاباً بما يمس الجسد الوطني، وغالباً ما يكون هذا التأثير سالباً من الناحية الاقتصادية ولعل مردود مقاطعة الغرب للسودان وقرار مجلس الأمن «1070» أبلغ دليل. وهنا برزت مقتضيات السيادة الوطنية للناقل الوطني الذي كان عليه قبول التحدي بغض النظر عن الآثار الاقتصادية، وكان اللجوء لجلب الطائرات عن طريق البيع الآجل والخضوع للشروط المجحفة كافة للبائعين. وترتبت على ذلك ان تخسر الشركة قرابة «50» مليون دولار. كما ان صفقة طائرات الفوكرز «50» التي فرضتها حكومات ما قبل الإنقاذ على الشركة بإصرار شديد دفعت فيها الشركة «30» مليون دولار لتباع بعد ذلك بحوالى «3» ملايين دولار لتبرز هذه القصة المحزنة التي أهدرت «27» مليون دولار.
ويمضي كابتن سرداب في سرد مسببات وهدة سودانير للحديث حول الهمس الدائر عن مبالغ أخرى تقارب «30» مليون دولار يقال إنها صرفت بما لا يتسق مع اسبقيات الصرف! مما حرم الشركة من سيولة كانت أحوج ما تكون لها.!!!
ورغم ذلك استطاعت سودانير ان تنخفض بهذه الخسارة التي تجاوزت «100» مليون دولار لأسباب معلومة إلى أقل من النصف بفضل قوتها كشركة طيران.
وطالب كابتن عبدالله سرداب متخذي القرار بالتحقق من هذه المعلومات قبل اتخاذ أي قرار لا يستند لحيثيات حقيقية.
وحال الاستيثاق على الدولة ان تدعم الشركة بخطابات ضمان في حدود «20» مليون دولار لأن هذا الدعم سيمكنها من النهوض. علماً ان الشركات الأجنبية التي لا يعينها جانباً سياسياً ولا أمنياً عرضت «400» مليون دولار للاستثمار في المجال الاقتصادي للشركة، وما نطالب به «5%» من الثقة التي أولاها الأجانب لسودانير. مطالباً ان يكون التعامل مع فائض العمالة بصورة حذرة خاصة وان من أسباب حرص الأجانب على شراكة سودانير هو هذه العمالة المدربة والمؤهلة.

ليست هناك تعليقات: