الثلاثاء، 15 يوليو 2008

كبج :لا جدوى للإتفاق الإقتصادي دون حل المشكل السياسي والتحول الديمقراطي


حاوره: بله علي عمرجرت مؤخراًً في الفترة من 27 أكتوبر-2 نوفمبر بالقاهرة مباحثات الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي بهدف الوصول لصيغ لحل ازمة الحكم بالبلاد، خاصة في ظل وجود مخاطر حقيقية تهدد أمن وسلامة الوطن.محمد ابراهيم عبده «كبج» الاقتصادي المعروف اختارته القيادة السياسية للتجمع الوطني لرئاسة وفد التجمع للمفاوضات مع الوفد الحكومي الذي ضم تاج السر مصطفى، ود. بابكر محمد توم، وتاج السر محجوب في محور الاقتصاد، وهو احد المحاور الاربعة التي نوقشت في الجولة الاخيرة، «الصحافة» جلست لمحمد إبراهيم عبده وكان الحوار التالي:* بوصفكم رئيس المفاوضين عن التجمع الوطني الديمقراطي في المحور الاقتصادي، ماذا دار في هذا المحور؟- عند اول لقاء بين الطرفين اقترحنا ان يكون هنالك شحذ ذهني حول الاقتصاد السوداني حتى نتمكن من بلورة الصورة الحالية للاقتصاد ليتيسر لنا وصف الداء، اذ أن الدواء من جنس المرض، وعليه فقد امتدت الجلسة الاولى لساعات وقفنا خلالها على ما آل اليه الوضع في مجالات الانتاج الزراعي والصناعي والخدمي والنتائج العملية التي تمخض عنها حكم الانقاذ خلال 15 سنة.ففي ما يتعلق بإنتاج الذرة فقد وعدتنا حكومة الانقاذ بانتاج 20 مليون طن سنوياً عند انتهاء الخطة العشرية في 2002م، ولكن وكما يشير تقرير بنك السودان فان انتاج الذرة في السودان قد كان في موسم 2002/2003م حوالى 2.825.000 طن، والحال ان انتاج الذرة في العام 88/1989م قبل الانقاذ كان 4.425.000 طن رغم أن عدد سكان السودان قد زاد بحوالى 35% منذ ذلك الوقت حتى الآن، وهذا يعني ان هنالك قوة عاملة اضافية، وايضاً افواهاً تحتاج للغذاء. وكان من المفترض لو ترك الامر للتطور العادي ان يزيد انتاج الذرة بمقدار الثلث ليرتفع الى 6 ملايين طن. وفي مجال انتاج القمح فقد وعدتنا حكومة الانقاذ بالاكتفاء الذاتي من القمح بل الاتجاه لتصدير الفائض في نهاية الخطة العشرية حتى يتم انتاج مليونين و 297 الف طن، والذي حدث في نهاية الخطة العشرية ان انتاج موسم 2002/2003م كان 381 الف طن وهذا يساوي 15% من الانتاج المتوقع، هذا بجانب أن انتاج القمح قد هبط الى 172 الف طن في العام 98/1999م وهذا المستوى من الانتاج لم يحدث خلال تاريخ السودان الحديث.* ولكنك لم تذكر أن انتاج القمح تزايد بشكل كبير عند إعلان ذلك؟- نعم، إن انتاج القمح في العامين 91/1992م وصل الى مستوى عالٍ وهو 848 الف طن ولكن كان ذلك مجرد فرقاعة سرعان ما انحسرت لتصل الى ما نحن عليه الآن وينطبق ذات الأمر على الدخن الذي كان في 1988م 459 الف طن وهدفت الخطة العشرية لانتاج ما يزيد عن المليوني طن في 2002م، ولكن انتاج موسم 2002/2003م كان 581 الف طن.* قد يكون التراجع بسبب تغير الأولويات؟- تم كل هذا التراجع وحكومة الانقاذ قد رفعت شعار نأكل مما نزرع، ولكن واقع الحال يشير الى ازدياد الاستيراد من المواد الغذائية، اذ كان جملة مبلغ استيراد الغذاء من قمح ودقيق وارز يساوي 72 مليون دولار في العام 1989م عند مجئ الانقاذ، ليتصاعد حجم استيراد الغذاء ليصبح 440 مليون دولار مع نهاية الخطة العشرية، وهذا يعني أن استيراد الغذاء ورغم انف الشعارات قد تضاعف 6 أضعاف عن ما كان عليه في العام 1990م.* مرة أخرى.. قد يكون التوسع في زراعة القمح جاءت على حساب أخريات، وربما تنبهت الحكومة الى ذلك؟- بالفعل فعندما وصل إنتاج الانقاذ الى أعلى مستويات انتاج القمح في العام 91/1992م فان هذا الانتاج جاء على حساب إنتاج القطن الذي كان من الثوابت فيه تصدير مليون بالة سنوياً وقد كان متوسط التصدير إبان حقبة الديمقراطية 86-1988م حوالى 900 الف بالة، ولكن قامت الانقاذ بإحلال القمح بدلاً عن القطن فتدهور انتاج القطن في العام 1993م الى 223 الف بالة، ثم تدهور مرة أخرى الى 195 الف بالة في العام 1999م، وهدفت الخطة العشرية الى انتاج 6 ملايين بالة في نهايتها، ولكن كان انتاج السودان في 2002م اقل من 400 الف بالة. وكما اسلفنا فقد جاء هذا التدهور نظراً لتقليل مساحات القطن وإضافتها لزراعة القمح ولكن كما تشير المعلومات فاننا لم نبق القطن كما كنا ننتجه ولا طلنا القمح الذي طمحنا اليه.* هل يمكن أن يكون تم ذلك لحسابات تجارية.. ربما إنخفاض طلب القطن خارجياً أو...أو..؟- وفي تمرين حسابي بسيط فقد إتضح ان إحلال القمح بدلاً عن القطن قد كلفنا نقصاً في الموارد بلغ 500 مليون دولار كان يمكن أن تدخل للخزينة لو زرعنا القطن واشترينا القمح بذات الكميات التي تم انتاجها.* «مقاطعة» ربما يكون لدخول عامل البترول اثر في ما حدث؟- «سأوضح هذه النقطة»، وهى أن صادراتنا غير البترولية كانت (620) مليون دولار في العام 1996م، تراجعت الى 600 مليون دولار في العام 1997م، ثم 600 مليون دولار في العام 1998م. كان ذلك قبل انتاج وتصدير البترول، ولكن في العام 1999م عند بدء تصدير البترول انخفضت الصادرات غير البترولية الى 505 ملايين دولار في العام 1999م، ثم (450) مليون دولار في العام 2000م وانحدرت بشدة الى 322 مليون دولار في العام 2001م. أى أن صادراتنا غير البترولية في العام 2001م كانت نصف ما كانت عليه في العام 1996م قبل ظهور البترول وهذا مرض معروف عالمياً وكان يتوجب علينا أخذ المناعة ضد هذا المرض الذي اودى بمن سبقونا في نيجيريا وغيرها. وكما هو معروف فإن قلة الصادرات غير البترولية قد جاءت أصلاً نتيجة لهبوط الإنتاج الزراعي لأننا نقوم بتصدير الفوائض منه.* هل جاء إستصحاب مآلات تجربة الانقاذ في اللجنة المشتركة للتفاوض؟- نعم لقد اقترحنا ان يتم هذا الشحذ الذهني لنتعرف على واقعنا الاقتصادي وامراضه كي يتيسر لنا جميعاً وصف الدواء الذي لايتم إلا في أعقاب التشخيص.* وهل تطرقتم للواقع في القطاع الصناعي ؟- هذا ما جرى فعلاً فقد تطرقنا الى أوضاع الصناعات الكبرى ومن أهمها صناعة الغزل والنسيج فهذه الصناعة لها طاقة تصميمية قدرها 300 مليون ياردة سنوية وهدفت خطة الانقاذ العشرية ان يتم انتاج 800 مليون ياردة في منتصف 2002م ولكن واقع الحال ان انتاجنا من المنسوجات قد بلغ 15 مليون ياردة في 2002م و15 مليون ياردة في العام 2003م، وهذا المستوى من الانتاج يساوي اقل من 2% من طموح الخطة كما أنه يساوي 5% من الطاقة الحالية لصناعة النسيج، والحال أن الحكومة قد وعدتنا بالمزيد من مصانع النسيج لانتاج 800 مليون ياردة، علماً ان انتاجنا من النسيج في 1986م قد وصل الى (168) مليون ياردة أى أن جملة الانتاج في 2002م وفي العام 2003م قد كان يساوي حوالي 9% من الانتاج الذي كان عليه قبل الانقاذ، والحال ايضاً ينطبق على صناعة الغزل اذ ان طاقة المصانع التصميمية تساوي 61 الف طن سنوياً وكننا ننتج ما بين 11-13 الف طن قبل الانقاذ ولكن الانتاج مع نهاية الخطة العشرية قد هبط الى (5500) طن من الغزل ثم انخفض مرة أخرى الى (3300) طن في 2003م ثم نلحظ أن صناعة الملابس الجاهزة بالسودان يمكنها انتاج ما يزيد عن 22 مليون قطعة ولكنها انتجت مليون ونصف المليون قطعة في 2002م ثم انخفضت الى مليون واحد في 2003م وقد ادى ذلك الى زيادة استيراد المنسوجات الى حوالى (229) مليون دولار ومنها ملابس جاهزة (61) مليون دولار وهكذا حال صناعة الزيوت التي تبلغ طاقتها التصميمية لانتاج (600) الف طن من الزيوت بينما لم يتجاوز الإنتاج (114) الف طن في 2002م ثم انحدر الى 90 الفاًً في 2003م، وبالنسبة لصناعة الصابون فإن الطاقة التصميمية لهذا القطاع 460 الف طن انتجت 75 الف طن في 2002م ثم 80 الف طن في 2003م.* ألم تشهد سنين الانقاذ أى تقدم في الانتاج الصناعي؟- حدث طبعاً، ويتوجب علينا هنا وكما ابرزنا خلال التفاوض، ان صناعة السكر بالسودان هى صناعة مميزة وقد بلغ إنتاج هذا القطاع 330 الف طن في العام 2003م من المصانع الحكومية تحت ادارة شركة السكر السودانية علماً بأن الطاقة التصميمية (355) الف طن، والحال أن مصنع الجنيد على وجه الخصوص يتجاوز كثيراً طاقته التصميمية، وكذلك سنار، وهذه انجازات لابد من الاشادة بها رغم كل السلبيات التي يتحدث عنها البعض إلا أنه على النحو الآخر فان ادارة شركة السكر السودانية المقتدرة لم يوفر لها التمويل اللازم للمزيد من الانجاز كما لم تطلق يدها للعمل كشركة لها مرونة اتخاذ القرار كما لمصانع القطاع الخاص ولابد من الاشادة بشركة سكر كنانة وهى قطاع مشترك بين الحكومة والقطاع الخاص وطاقتها التصميمية (300) الف طن وقارب انتاجها (400) في 2003م، ولابد من الاشادة بمجمع جياد الصناعي الذي يقوم بتركيب التراكتورات والمعدات والشاحنات والبصات وغيرها كما أنه ينتج حديد التسليح وغيره من الصناعات المعدنية.هذه صناعات مهمة واستراتيجية ولابد من تطويرها للأفضل.ويمكننا ايراد المزيد من المعلومات حول الصناعة في السودان وقد اوردناها كمفاوضين ولكننا نكتفي بذلك.* العطالة أبرز القضايا التي تهدد السلام الإجتماعي فكيف تم تناولها؟- كما تشير الاحصائيات الرسمية فإن معدل البطالة والعاطلين يساوي 14.2% من جملة القوى العاملة في العام 1990م وقد انخفضت الى 10% في العام 1993م ولكنها توقفت عند رقم ثابت وهو 16% منذ العام 1998م حتى العام 2003م وهذه نسبة عالية في بلد كالسودان بوسعه الجغرافي وامكاناته المتاحة، كما أن الفئة العمرية 15-24 قد تجاوزت نسبة العطالة فيها 28% كما يشير العرض الاقتصادي لوزارة المالية للعام 2002م وفي مؤتمر جرى حديثاً وردت احصاءات من مصادر رسمية ان 6% من خريجي الجامعات في الفترة 1998-2003م قد حصلوا على وظائف ويمكن هنا التعرف على حجم هذه الكارثة خاصة عوائل أولئك الخريجين الذين دفعوا دم قلوبهم لييسروا لابنائهم فرصة التعليم الجامعي المكلفة بالبلاد واعتبروا ذلك استثماراً لتأمين مستقبل الاسرة لتضيع أحلامهم سدى.* ولكن الحكومة زادت عدد الجامعات الى أضعاف مضاعفة؟- نعم وقد تطرقنا أىضاً الى الجانب السالب في ذلك وخلل الهرم التعليمي، إذ أن مرحلة حكومة الإنقاذ قد ركزت على التعليم العالي، واهملت التعليم الاساس والثانوي وبدلاً من اتساع قاعدة الهرم التعليمي فقد ضاقت القاعدة واتسعت قمة الهرم ليصبح الهرم مقلوباً كما أن التعليم الثانوي يركز على التوجه الاكاديمي ويهمل التعليم الفني، اذ بلغ عدد الجالسين لامتحانات الشهادة السودانية عن القسم الاكاديمي اكثر من 200الف طالب في 2003م، بينما كان الجالسون في القسم الفني أقل من (7000) طالب، ولا ندري كيف كان سيتم تنفيذ الخطة الاستراتيجية العشرية وهى خطة تنموية بمثل هذا الخلل بين اعداد خريجي التعليم الاكاديمي والفني.* ظلت السياسات الضريبية سبباً مباشراً في تجفيف كل القطاعات الإنتاجية فماذا عنها؟- إن الضرائب غير المباشرة التي يقع عبئها على جميع المواطنين التي تجي على حساب الشرائح الفقيرة المتزايدة ارتفعت من 61 مليون دينار في العام 97 لتصل الى 215 مليار دينار في العام 2003م وهذه قفزة تقصم ظهر الفيل، وعلى النحو الآخر فان الضرائب المباشرة قد ارتفعت من 22 مليار دينار الى 52 مليار دينار في 2003م، فالضرائب غير المباشرة قد تضاعفت الى 3500% من العام 1997م حتى العام 2003م وزادت الضرائب المباشرة بنسبة 240% عن ذات المدة.* ألم تؤثر عوائد البترول في خفض هذه الضرائب ورفعها عن كاهل المواطن؟- رغم أن عوائد البترول قد إرتفعت لصالح الميزانية المركزية من 150 مليار دينار في العام 2001م الى 200 مليار دينار في العام 2002م، الى 400 مليار دينار في العام 2003م، ومن المتوقع ان ترتفع الى ما يزيد عن 500 مليار دينار في العام 2004م، إلا أن هذه الإيرادات الجديدة التي من المفترض ان تحدث تغييراً نوعياً في طبيعة الايرادات قبل البترول التي كانت تعتمد على الايرادات من الضرائب المباشرة وغير المباشرة قبل البترول إلا أن هذه الايرادات الفجائية بفضل البترول لم تنعكس في رفع الاعباء الضريبية غير المباشرة، بل ظلت في ازدياد فبينما كانت الضرائب غير المباشرة 85 ملياراً في العام 1998م إلا أنها واصلت تصاعدها لتبلغ 215 مليار دينار في 2003م أي بلغت ثلاثة اضعاف في مرحلة ما بعد البترول عن العام السابق لتصدير البترول.* ولكن الحكومة كما تشاهدون تصرف على الجوانب التنموية بشكل كبير؟- نظرنا إلى ذلك وقد وجهنا أنظار المفاوضين الحكوميين الى أن الصرف على الخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والمياه قد كان بمستويات غير مبررة خاصة بعد انتاج وتصدير البترول فنسبة الصرف على التعليم قد ظلت تتناقص بطريقة متواصلة كنسبة مئوية من الانفاق العام للميزانية المركزية، كما أن وزير المالية الاتحادي قد اعلن العام 2003م عاماً لتنمية المياه في السودان، ولكن رصد للمياه في الميزانية مبلغ ضئيل في ميزانية العام 2003م لم تبلغ الـ (6) مليارات دينار، وعلى العموم جاء الاداء الفعلي للميزانية مخيباً للآمال إذ تم تمويل تنمية المياه بمبلغ 1.3 مليار دينار أى بأقل من ربع المبلغ الذي رصد لها، علماً أن المبلغ المرصود كان في الأصل ضئيلاً اذ كانت جملة الانفاق في الميزانية الاتحادية لعام 2003م حوالى (304) مليارات دينار أى أن الذي رصد أقل من 1% من جملة الميزانية والذي نفذ فعلاً أقل من ربع من واحد في المائة، وقد اوردنا للمفاوضين الحكوميين الكثير من المعلومات المتعلقة بسوء توزيع فرص التعليم بين الولايات التي تعبر عن عدم عدالة بيِّن وواضح بين الولايات المختلفة حيث ترتفع نسبة استيعاب الاطفال في مرحلة الاساس في أوسط شمال السودان وينخفض الاستيعاب بصورة مريعة في غرب وشرق وجنوب البلد، وهكذا الحال لخدمات الصحة والمياه وكما يشير تقرير بنك السودان للعام 2003م، فان 70% من المياه الصالحة للشرب التي يتم انتاجها بالبلاد تذهب لسكان الحضر الذين لا تتجاوز نسبتهم 30% من إجمالي سكان السودان وعليه فإن 30% من المياه الصالحة للشرب تذهب الى 70% من أهل الريف وفي مجال الصحة فان كل 100 الف مواطن بالخرطوم يقابلهم 45 طبيباً ونصف، وهذا يعني أن سكان ولاية الخرطوم يقابلهم من الأطباء ثلاثون ضعفاً لعدد الاطباء الذين يقابلهم نفس العدد بغرب دارفور.* وماذا قلتم عن الحركة العامة للإقتصاد بين التضخم والانكماش، والحكومة تعلن إنخفاض معدلات التضخم؟- نعود مرة أخرى للسياسات المالية فكل العملة المتداولة في البلاد قبل مجئ الانقاذ في منتصف 1989م كانت اقل من 8 مليارات دينار، ولكن جملة العملة المتداولة قد تضاعفت 350 ضعفاً حالياً وأصبح مقابل كل واحد جنيه سوداني 350 حالياً كما أن الحكومة قد اشعلت نار تضخم في البلاد والذي ظل يتجاوز نسبة 100% خلال 7 سنوات ممتدة منذ 90-1997م، وقد وصل لأقصاه في اغسطس 1996م الى نسبة تضخم بلغت 166% ورغم أن مستويات التضخم قد بدأت في الانخفاض المستمر حتى وصلت الى أقل من 10% إلا أنها بدأت في الارتفاع مرة أخرى. والتضخم يعمل لتوزيع الدخل ضد الفقراء كما أنه يؤدي الى تآكل رؤوس الأموال كما يعمل على تآكل مدخرات المواطنين الذين يدخرونها بالعملة الوطنية بالبنوك أو خارجها وجملة العملة الموجودة داخل البنوك كانت 11% قبل الانقاذ انخفضت الآن الى 5% وذلك لأن المواطنين يتجهون الى ضمان سلامة مدخراتهم في السلع والذهب والعملات الاخرى التي على رأسها الدولار.واوضحنا أنه رغم دخول البترول كرافع لجملة الناتج المحلي الاجمالي ولاجمالي الايرادات في الميزانية الاتحادية الا أن قيمة الدينار السوداني من الناحية الفعلية كانت تهبط بطريقة متواصلة مقابل العملات الاخرى غير الدولار إذ أن عملتنا الوطنية ما زالت مرتبطة بالدولار الذي ظل يهبط بطريقة متواصلة أمام العملات الحرة الاخرى، مما ادى الى انخفاض قيمة العملة الوطنية دون إعلان رسمي.وهكذا برهنا على أن السياسات التي إتبعتها الإنقاذ والأداء الفعلي على أرض الواقع أوصلانا الى الصورة الراهنة ولابد من اتخاذ سياسات وممارسات جديدة بديلة.* ألم يقم الوفد الحكومي بالترافع ضد ما أوردتموه؟- لم يعترض الوفد الحكومي على أي رقم من الارقام التي اوردناها إذ أنها مأخوذة من التقارير الرسمية الحكومية ولكنهم قدموا اعتذارات عن الحجم الكبير لمنصرفات الامن والدفاع وايضا ما أسموه بالحصار الاجنبي.* إذن لقد تم استغلال نقاط الضعف في العملية الاقتصادية من ممثلي التجمع وتم التركيز عليها؟!- نحن لم نستغل نقاط الضعف وإنما ابرزنا الصورة الحقيقية لواقع الاقتصاد السوداني ونتائجه الفعلية على ارض الواقع بعد (15) سنة من حكم الانقاذ وهذا اسلوب مشروع كي نصل لطريقة موضوعية الى ضرورة تغيير السياسات الاقتصادية والمالية الى سياسات اخرى تفضي الى نتائج افضل وهو ما اتفقنا عليه مع وفد الحكومة خلال تلك المفاوضات وعليه فإننا سنتحدث الآن عن النتائج التي افرزتها تلك المناقشة وهو الاتفاق الوحيد الذي تمكن التجمع الوطني الديمقراطي حق التوقيع عليه مع حكومة السودان.* ما هي ابرز ملامح هذا الاتفاق؟- لقد كان الهدف الرئيسي للسياسات الاقتصادية التي تم الاتفاق حولها هو توجهها لتحقيق الوحدة الوطنية والسلام المستدام المفضيين لوحدة البلاد واستقرارها، وعلى هذا فإن اهم التوجهات واستناداً على التجربة السابقة فإننا امنا على اتباع سياسات اقتصادية ومالية منحازة للفقراء وان تكون استراتيجية محاربة الفقر عن طريق تنمية زراعية وصناعية وخدمية شاملة وليس عن طريق الصدقات او الاغاثات وتهدف هذه التنمية الشاملة الى تحديث قطاع الزراعة المطرية التقليدية هذا القطاع الذي يعطي 32% من الناتج المحلي للسودان وهو يشمل الثروة الحيوانية التي تمثل 21% من الناتج المحلي الاجمالي والزراعة المطرية التقليدية التي تعطي 8% من الناتج الاجمالي والغابات التي تمثل 3% من الناتج الاجمالي المحلي، وهذا القطاع يسكنه 65% من جملة اهل السودان ولكن جملة عطائه في الناتج المحلي الاجمالي 32% وهذا خلل لابد من اصلاحه وعليه اصبحت استراتيجية محاربة الفقر تستند على تنمية وتطوير وتحديث هذا القطاع المطري التقليدي بحيث نتمكن من زيادة رصيده في الناتج المحلي الاجمالي ونتمكن في نهاية الامر من احداث تنمية بشرية تنقذ بهذا العدد الكبير من مواطنينا من قطار دائرة الفقر وتنهض بهم كبشر.* وهل إتفقتم على آليات معينة لتنفيذ ذلك؟- نعم، فقد قلنا إن الضرورة تفرض قيام جهاز قومي لتطوير وتنمية قطاع الزراعة المطرية التقليدية بفرعيه النباتي والغابي ليشرف عليه مجلس متخصص لوضع الخطط الملائمة بمشاركة كل القطاعات ذات الصلة، وان تكون جملة السياسات منحازة للفقراء وداعمة للمنتج الصغير الزراعي والصناعي والحرفي وان يكون التمويل المصرفي متجهاً لدعمه وذلك على نمط بنك الفقراء ببنقلاديش والوجهة ان يتحول البنك الزراعي وبنك التنمية الصناعي لتمويل صغار المنتجين الزراعيين والصناعيين وهكذا تعمل على محاربة الفقر في جذوره وان نعتبر استراتيجية محاربة الفقر هي الاستراتيجية التي توجه كل الموارد والفوائض الاقتصادية في سبيل انفاذها.* وماذا بعد ذلك؟!- وقد أمر الطرفان أيضاً على أن تظل المشاريع الزراعية الكبرى مثل مشروع الجزيرة والمناقل ومشروع الرهد الزراعي ومؤسسة حلفا الزراعية والقاش وطوكر ومشروعات الأيلولة بالنيل الابيض والنيل الازرق ومؤسسة جبال النوبة ومؤسسة الشمالية الزراعية ومشروع جبل مرة ومشروع غرب السافنا وابحاث غرب السودان وغيرها مشروعات للمنتج الصغير تحت رعاية الدولة واعتبار تأهيلها واعادة اعمارها جزءاً أصيلاً في استراتيجية محاربة الفقر، كما ان المطلوب الاهتمام بإقامة مشروع قومي يعنى بتحديث قطاع الثروة الحيوانية والقطاع النباتي.* والبنيات التحتية أليست مهمة أيضاً؟!- نعم، في القطاع المطري التقليدي قلنا إن علينا وضع الاستراتيجيات لتنفيذ شبكة للطرق والجسور والمطارات وعلى رأس هذه المشروعات طريق الغرب مع اقامة وتشييد المواعين لحصار المياه خاصة بغرب وشرق البلاد حيث يقل وجود مثل هذه المواعين كما يجب التوجه للتكامل الزراعي بشقيه النباتي والحيواني.* وعلى أي شيء اتفقتم بشأن الخدمات؟!- إن عدالة التنمية البشرية في مجالات التعليم والصحة والمياه أمر ضروري فبالنسبة للتعليم فإن مرحلة الاساس يجب ان تكون اجبارية للاطفال 6 - 13 سنة مع مجانيته. وكذلك الامر بالنسبة للتعليم الثانوي 14 - 16 عاماً، كما تم الاتفاق على أن يمنح التعليم العالي الدعم الكافي لتحقيق مستوى جيد من الاستعدادات من ناحية القاعات والمعامل والسكن ونوعية وعدد الاساتذة والعمل على رفع مستواهم المعيشي مما يؤهلهم للقيام بدورهم كاملاً.* والتعليم الثانوي الذي قلت إنه أهم؟!- في ما يتعلق بالتعليم الثانوي قلنا إنه يجب السعي الى ان يجد التعليم الفني ما يستحق من دعم حتى نتمكن من اعادة التوازن لهذا النوع من التعليم ليصل التعليم المهني والفني إلى 60% من التعليم الثانوي ليكون احدى الركائز للنهضة التنموية المرجوة.* وعلى ماذا اتفقتم بشأن الصحة؟!- بالنسبة لقطاع الصحة اتفقنا على تعميم الخدمات الصحية الاولية وتعميم تجربة التأمين الصحي في جميع انحاء البلاد على ان تكون هذه الخدمات الصحية الاولية مجانية بما فيها الدواء كما يجب التركيز على انشاء المستشفيات الريفية في جميع الريف السوداني وعلى رأسه مناطق الزراعة التقليدية وبهذا فإن البرنامج المطروح الذي تم الاتفاق عليه هو برنامج منحاز لفقراء السودان في الريف والمدن ويفضي الى اصلاح الاختلال المريع المتمثل في التنمية غير المتوازنة في السودان وهذا البرنامج لا يمكن انجازه إلا بدور الدولة الخادمة.* وهذه الخدمات في كل البلاد بالطبع وليست في المركز والمدن الولائية الكبرى...؟!- إن العقلية التي كانت سائدة بالمركز في الخرطوم منذ عهد الاستعمار مروراً بالاستقلال حتى يومنا هذا هي عقلية منحازة لأواسط شمال السودان وان كل النزاعات العسكرية والسياسية القائمة الآن تهدف الى تغيير هذه العقلية وعلى هذا فقد تم الاتفاق بين الحكومة والتجمع الوطني الديمقراطي على ضرورة تقوية اجهزة النظام الفدرالي ومؤسساته من خلال تعميق اللامركزية وبتنزيل المزيد للولايات شريطة أن يتم ذلك بكفاية الموارد وعدالة توزيعها المبني على معايير علمية ومدروسة ونافذة ودعم الحكم الولائي والمحلي بكوادر مقتدرة تفجر الطاقات وتطور الموارد وتلبي احتياجات المواطنين بتقديم الخدمات المتميزة بالتمييز الانمائي التفضيلي للمناطق المتخلفة نسبياً حتى يتم مساعدتها بالوصول لمستوى المناطق المتقدمة نسبياً.كل ذلك إعماداً على مبدأ الشفافية والإفصاح والمسؤولية والرقابة الادارية والمالية والمحاسبة، وأن يتم تأكيد المشاركة الفاعلة لكل الاطراف في آليات تنفيذ الاتفاق لضمان الوصول للاهداف المتفق عليها.* ولكن المطلوب ليس دعم الاستهلاك انما دعم الانتاج..؟!- تم الاتفاق على ان موزانة الدولة هي الآلية التي يتم في اطارها تحديد الموارد وتنميتها والمحافظة عليها وتوظيفها وفق الاولويات التي تحقق عدالة التوزيع بين المناطق والقطاعات والمواطنين مع ضبط الانفاق العام وترشيده وعدالة توزيعه وحسن ادارته مع التأكيد على ولاية وزارة المالية على المال العام وعدم الصرف والتصرف خارج الموازنة والنأي عن الجبايات غير القانونية او تجنيب الايرادات مع حفز الانتاج والمنتجين وتقديم الحوافز الاقتصادية التي تشجع على ذلك من خلال تهيئة بيئة الانتاج وتوفير مقوماته الاساسية ومحاباته في السياسات المالية والنقدية والمصرفية والتجارية والمساواة في الفرص في إطار المناقشة العادلة وحماية الانتاج الوطني ومحاربة الاغراق.* هل هذا يعني أنكم اتفقتم ضد الاغنياء؟!- إن هذه السياسات التي تتجه نحو الانحياز للفقراء واحداث تنمية بشرية انسانية عميقة بمساعدة المنتج الصغير ودعمه هي ليست سياسات معادية للاغنياء ورجال الاعمال، انما تهدف للتنمية التي يستحقها المواطنون، وهي في ذات الوقت تؤدي لتوسيع دائرة السوق الوطنية التي تفتح المجال امام غير الفقراء لزيادة نشاطهم التجاري والصناعي.* وفي الجانب الصناعي على أي شيء اتفقتم؟!- بالنسبة للصناعة تم الاتفاق على ان يكون للقطاع دور فعَّال في الاقتصاد، وان ترفع عنه ما كانت تعتبره من اجراءات ومحاباة في الماضي، وأن تكون بداية ذلك العمل على ان تقوم الصناعة باستغلال طاقتها التصميمية وان تدرس حالة كل قطاع وان يقدم له الدعم اللازم ليعود منتجاً وفعَّالاً في زيادة الناتج المحلي الاجمالي.* هذه الاتفاقية والتوصيات تناقض فلسفة الانقاذ التي تجعل من الدولة مجرد رقيب على الحراك الاقتصادي؟إن ما ندعو إليه من دور فعَّال للدولة ناتج عن ان سياسات الدولة الماضية قد ادت الى توسيع دائرة الفقر وتعميقه في الاوساط الشعبية، وايضا المزيد من عدم التوازن للتنمية وعليه فإن كل الاعوجاجات التي ذكرناها تمت عن طريق المركز ولا يمكن إصلاح ذلك الاعوجاج التاريخي إلا بدور الدولة التي كانت المساهم الاول في احداث الاعوجاج.* لكن هذا توجه لا يتماشى والتحول الاقتصادي العالمي في التحرير الاقتصادي والعولمة؟- إن سياسة التحرير الاقتصادي ومطلق إليه السوق هي نظريات موجودة في أضابير الكتب فقط والذين يدعون لها الآن في السودان يجب ان ينظروا متفحصين لما حولهم من دول في جميع انحاء العالم. إن دول مجموعة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم حوالى 50 من الدول الصناعية الكبرى مثل امريكا ودول الاتحاد الاوربي واليابان وكوريا والمكسيك وغيرها هذه الدول تقدم دعماً لمزارعيها يساوي ما يزيد عن 300 مليار سنوياً، وهذا يعني ان القطن السوداني يواجه قطناً مدعوماً من اميركا وغيرها. كما ان الحبوب الزيتية السودانية والزيوت تواجه سلعاً في السوق العالمي مدعومة من قبل دولها وقدَّر بعض الخبراء ان رفع الدعم عن الزراعة في الدول الصناعية الكبرى يؤدي الى رفع عائدات بلدان العالم الثالث بما يزيد عن 100 مليار دولار في السنة.* (مقاطعة) وهل هذا يعني...؟!- نعم ان هذا يعني ان الدعم المقدم للزراعة في الدول الصناعية سيكون عبئاً على اكتاف منتجينا، وهذه كانت المشكلة التي قصمت مؤتمر كانكون بالمكسيك. وكما ذكرنا في مكان آخر فإن الرئيس بوش قام بدعم انتاج الحديد الصلب في اميركا لحمايته من المنافسة من قبل الحديد المنتج بواسطة حلفائه في اوربا، وذلك بفرض الرسوم التي يدفعها مستوردو الحديد الصلب من اوربا. كما ان اميركا اعتبرت انها تتمتع باكتفاء ذاتي من السكر.وفرضت رسوماً عالية على السكر المستورد من خارج امريكا، كما ان الاتحاد الاوربي قدم دعماً لصناعة السكر لتصدير فائضه، وكان الدعم يساوي ضعفي سعر السكر في البورصة العالمية وهكذا يبقى الحديث عن التحرير الاقتصادي وآلية السوق هي مجرد نظريات غير صالحة للتطبيق، إذ ان الدعاة لها في جميع انحاء العالم هم الاكثر شراسة في تشويه التجارة الدولية بالدعم الزراعي والصناعي وقد رضعوا من ذلك قروناً والآن يمكن للمنتج السوداني أن يأمل في دعم متواضع حتى لا يصير السودان مجتمعاً استهلاكياً كما أشرنا سابقاً.* متى سيتم العمل بالإتفاق؟- للأسف فإن الاتفاق سيغدو عديم الجدوى ما لم يتم الاتفاق من بقية المحاور وكل القضية السياسية والتحول الديمقراطي والقضايا الدستورية والقانونية.

ليست هناك تعليقات: