الثلاثاء، 15 يوليو 2008



السياسات الاقتصادية أقعدت بالشعار ( السـودان كوبا العرب وأفريقيا)
تحقيق: بله على عمر
احدى المؤسسات الزراعية الضخمة التي كان يعول عليها كثيراً في دفع الاقتصاد الوطنى، غدت مهددة بالخروج من دائرة الانتاج بسبب الفشل الذريع والتدهور ، وقد اضطرت ادارة هذه المؤسسة الى تخفيض اكثر من 740 عاملاً من جملة عمالها الذين يبلغون الف وستمائة عامل، علماًً ان جملة الوظائف في دراسة الجدوى لهذا المشروع تتجاوز الاربعة آلاف وظيفة . وحتى لا تنتقل عدوى مؤسسة الرهد الزراعية الي قطاع السكر، فاننا نواصل في الحلقة الثالثة من هذا الملف كيفية حماية هذا القطاع الاستراتيجى ..
السودان : كوبا المنطقة العربية
بروفسيور محمد هاشم عوض استاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، وهو وزير فضّل الاستقالة علي انتهاج الاساليب المدمرة للاقتصاد الوطنى عندما رفض القرار الجمهورى الذى اصدره جعفر نميرى، والخاص بزيادة سعر السكر بواقع (قرشين للرطل) عندما كان وزيراً للتجارة في 1978م .
يقول بروفسيور محمد هاشم ان صناعة السكر اقيمت بالسودان علي أمل أن يغدو السودان كوبا المنطقة العربية، وقد ادت الظروف المحيطة بالسودان من موارد ومياه وغيرها، الى قدوم المستثمرين للاستثمار في هذا المجال عبر كنانة، وغرب سنار وعسلاية - وجاء الانتاج وفيراً كما ان تكلفة الانتاج المتدنية ودرجة الجودة العالية، اعطت المراقبين الانطباع بان شعار ( السودان كوبا العرب وافريقيا) فى انتاج السكر واقع صحيح - فاتجهت الدولة للتصدير علي حساب المستهلك السودانى الذى جعلته السياسات يدعم الصادر بدلاً من ان تدعمه عائدات الصادر ، بدليل ان السكر السودانى بالسعودية ارخص منه بالسودان .
السياسات الاقتصادية أصل العِلة
ويضيُ بروفسيور محمد هاشم عوض انه ورغم توفر مقومات غزو العالم بهذا المنتج الاستراتيجى، الا اننا لم نلحظ اي تقدم يذكر فى هذا القطاع منذ نهاية الثمانينات، وذلك بسبب السياسات الاقتصادية الكلية التى جعلت السكر يباع باضعاف سعره، وصارت المشكلة في تكلفة الشراء مقارنة بتكلفة التصنيع مما جعل السلعة مصدر ايراد ملموس للدولة سواء من المستهلك السودانى او الاجنبى، وصارت الدولة معنية بالتحصيل لاجل دعم الايرادات بالعملة المحلية الاجنبية .
ان الدولة مثل سائر الدول النامية، تركز جبايتها علي السلع الاساسية التى يستهلكها عامة الناس الذين معظمهم من الفقراء، فى وقت كان مطلوب من الدولة تركيز الجباية علي السلع الفاخرة والكمالية التى يستهلكها الاثرياء، وقد ادى نهج الجبايات للتضخم وارتفاع تكاليف المعيشة في حين ان (رخص) السلع محلياً، يزيد الاستهلاك ويعوض الدولة عبر الحراك الاقتصادى الشامل .
وانتقد بروفسيور محمد هاشم بشدة الاعتماد علي الجبايات والرسوم في موارد الميزانية، معتبراً اياها من المعيقات التى اقعدت كثيراً بالصناعة الوطنية، ماضياً للقول (ليتنا كنا نرى اثراً ملموساًً لهذه الجبايات ) ولم يخف اعتقاده الجازم ان قطاع السكر السودانى قادر على المنافسة عقب الانضمام لمنظمة التجارة العالمية مثله مثل سائر الصناعات القائمة على الزراعة، سيما وان تكاليف الانتاج الزراعى بالسودان هى الاقل تكلفة حول العلام - وطالب بروفسيور محمد هاشم عوض بدعم المنتج الوطنى بدلاً عن وضع العراقيل المتمثلة في السياسات الخاطئة امامه .
السكر موردٌ حقيقي
دكتور محمدين التجانى سيف النصر، (اقتصادى) يقول فى افادته للصحافة عن ارتفاع سعر السكر بالنسبة للمستهلك، انه بعد تكلفة الانتاج ، هناك تكاليف اخرى مث الترحيل والتخزين والتسويق، وبعض الحكومات تحتم عليها اوضاعها الاقتصادية البحث عن موارد اضافية للايرادات حتى تتمكن من الايفاء بالالتزامات الخدمية نحو المجتمع، فتلجأ لفرض الرسوم على بعض السلع الاستراتيجية التى لا سبيل امام الاسرة سوى الحصول عليها مثل سلعة السكر .. واذ ذهبت هذه الموارد لخدمات يحسها الناس ويعايشونها، فلا غبار علي ذلك اما ان لم يحسها الناس فتلك طامة كبرى .
هذه الخاصية
من ناحية اقتصادية، فالسكر سلعة مهمة وضرورية لا بديل لها، ويسميها الاقتصاديون بالسلع غير المرنة، والكميات المطلوبة من هذه السلع لا ينقص الطلب عليها مهما كانت الاسعار مرتفعة لضروريتها واهميتها، وربما ادركت الحكومة هذه الميزة النسبية لها فعمدت الي زيادة اسعارها..
ويضيف دكتور محمدين كان السكر في المراحل السابقة يتم توزيعه في شكل (كوتات) للولايات، وكان الآهالى يعتمدون عليه في تنمية قراهم من خلال فرق السعر، فادركت الدولة هذه الميزة فسارت عليها وبرزت قضية طريق الانقاذ الغربى كأكبر دليل .
وبمضى دكتور محمدين للقول ان هذا النهج من الضرائب يسد العجز في الموازنة العامة، وبالتالى تتمكن الدولة من مقابلة النفقات الضرورية غير ان سلبية هذه الضريبة انها تفرض بالمساواة على الغنى والفقير، وهذا توجه يفتقر لاعادة توزيع الدخل بين افراد المجتمع .
المطلوب مواكبة المرحلة
وعن مخاطر الانضمام لمنظمة التجارة العالمية علي قطاع السكر يقول د. محمدين، ان لم نواكب متطلبات المرحلة بتخفيض تكلفة الانتاج، فان دخول سكر ارخص امر حتمى خاصة ان المجتمعات الاوربية تعتمد على اقتصاديات ذات كفاءة عالية مؤهلة بان تجعل لمنتجاتها القدرة علي المنافسة القوية للمنتجات المحلية - مختتما حديثة بانه لابد من الاستفادة من كل الطاقات المتاحة حتى يعمل هذا القطاع بطاقته القصوى لتقليل التكلفة، مع الاستفادة من المخلفات في تصنيع الطاقة كما ان على الحكومة وضع السياسات المالية والاقتصادية السليمة لانعاش هذه الصناعة، خاصة ان للسودان ميزة نسبية فى مجال السكر، تجعله قادراً على اجتياح اسواق المنطقة .
أهلية السيطرة على الأسواق
ابراهيم منعم منصور وزير المالية الاسبق يقول ان السودان مؤهل تماماً للسيطرة علي اسواق السكر بالمنطقة العربية والافريقية، كما ان له القدرة علي سد الفجوات المرتقبة في سلعة السكر بهذه المناطق، وذلك لتوفر كافة مقومات هذه الصناعة الاستراتيجية خاصة عنصر الماء في النيل الابيض . كما ان تكلفة هذه الصناعة تجعل السودان من اقل الدول تكلفة فى الانتاج في العالم .
وقال ابراهيم منعم منصور: لا خوف علي قطاع السكر من الانضمام لمنظمة التجارة العالمية اذ قامت الدولة بدعم هذا القطاع كما تفعل اوربا وامريكا. وقال ان السكر ذاته يمكن ان يكون مصدراً للدعم المطلوب وذلك بتوجيه جزء من عائداته فى السنوات التى تشهد ارتفاعاً في اسعاره العالمية والابقاء عليها حتى تغدو داعمة للقطاع في السنوات الى تشهد تراجعاً في الاسعار العالمية - كما ان على الدولة الاستفادة من فترات السماح والخيارات المصاحبة للانضمام، والتى تبلغ 13 خياراً.
خلل فى السياسات الفرعية
كمال محمد على الشايقى، قال ان هنالك خللاً فى السياسات الاقتصادية الفرعية، له مردوده السالب على السياسات الاقتصادية الكلية، مثلاً ان سعر الفائدة الذى يعتبر الاعلى، يهزم المنتج الوطنى ويحرمه القدرة على التنافس. كما ان الجبايات والضرائب تتطلب المراجعة. ويضيف كمال الشايقى ان السياسات المتبعة حتى 1988، يمكن تسميتها بالمدمرة بالنسبة لقطاع السكر، ذلك انها تدعم المستهلك على حساب المنتج .
ويمضى كمال الشايقى للتفصيل قائلاً ( مصانع السكر كانت تخضع لتسعير لا يراعى تكلفة الانتاج، وكانت الاسعار تحدد علي أسس سياسية مما ادى لتدهور كبير فى مصانع السكر الحكومية، وجعلها تعمل باقل من 50% من طاقتها المصممة مما دفع الدولة فى منتصف الثمانينات، لاقتراض (380) مليون دولار لاعادة تأهيل هذه المصانع .
كما ان الدولة من جانب آخر ولتدنى سعر البيع النهائى للمواطن، كانت تدعم السعر بمبالغ كبيرة في الموازنة وهذا الوضع انعكس علي معدلات الانتاج الكلى ليصل لاسوأ معدلاته في 88/1989م
إزالة الحساسية والعودة للإنتاج
ويقول كمال الشايقى ان الانقاذ ازالت الحساسية السياسية المرتبطة بالسلعة، واخضعتها للسياسات الكلية المرتبطة بوقف سياسة الدعم، وربط التسعير بالتكلفة كما انتهجت سياسة تسعير واقعية، وقد قفزت هذه السياسات بالانتاج من 232 الف طن فى 89/90 الى 694 الف طن فى 2000/2001 و720 الف طن فى 2001/2002 بنسبة زيادة بلغت 86% .
300 مليار دولار لدعم الزراعة..
يقول محمد ابراهيم عبده (كبج) (اقتصادي):
اود ان انظر لهذا الموضوع من زاوية مغايرة لما هو سائد من اراء في لقاءاتكم المتعددة مع عدد من الخبراء والعلماء.
ان الذي تعاني منه الزراعة والصناعة في السودان، هو الاسواق المشوهة علي نطاق العالم.. وكما هو معلوم فان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تضم جميع الدول الصناعية الكبري، وهذه الدول منذ فجر الثورة الصناعية باوروبا تقدم الدعم الهائل للزراعة مما ادي لتشوه الاسواق وتراجع الاسعار فيها ضد مصلحة البلدان النامية.
ان الزراعة باوروبا وامريكا، ترضع من مميزات الدعم لقرون خلت ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وحتي يومنا هذا، تدعم الزراعة فيها بما يزيد عن 300 مليار دولار سنويا وهذا يؤدى في واقع الامر الي ان تواجه اقطان السودان في السوق العالمي اقطانا مدعومة، مما يؤدي الي ان يفرض علينا الامر الواقع ببيع بالة القطن بحوالي 250 دولار، وهذا يساوي التكلفة او يكاد، وحتي في الايام الاخيرة، فان الرئيس بوش قدم دعما اضافيا لمنتجي القطن بلغ 2 مليار وخمسمائة مليون دولار، هذا فكيف بالله عليكم تتحسن معيشة منتج القطن بالسودان - كما ان انتاجنا من السمسم، يواجه في السوق العالمي انتاج المكسيك من السمسم المدعوم، كما ان انتاجنا من الحبوب الزيتية والحبوب النباتية يدخل المنافسة في السوق العالمي مع كميات وافرة من الحبوب الزيتية والزيوت النباتية المنتجة بامريكا، والتي يقدم لها دعم كبير. وهكذا الثروة الحيوانية ومنتجاتها حيث يقدم الدعم لتصدير اللحوم المجمدة والدعم للالبان ومنتجاتها.
حماية الإنتاج الوطني
ويقول كبج بالنسبة لسلعة السكر فاننا نجد ان سعر طن السكر يكون في حدود 300 دولار في السوق العالمية، ولكن يصل سعره للمستهلك في فرنسا الى 600 دولار يحدث هذا لان فرنسا تلجأ لحماية انتاجها من السكر الذي تزيد تكلفته عن 500 دولار للطن، وذلك بفرض رسوم جمركية عالية على السكر المستورد من الدول النامية والفقيرة وهكذا شهدنا كنانة قد تمكنت من بيع انتاجها من السكر الى فرنسا بسعر يزيد عن ضعف سعره العالمي وذلك لان فرنسا قد (تفضلت) علينا بان سمحت بتصدير سكر كنانه اليها معفيا من الرسوم الجمركية الحمائية والفرق بين السعر العالمي السائد والسعر الذي بعنا به لفرنسا يأتي لصالح منتجي السكر في السودان اذ رفعت فرنسا رسومها الحمائية لصناعتها المحلية من السكر والتي لا تستطيع ان تنافس السكر المنتج بالبلدان النامية اذ تقرر رفع الرسوم الحمائية..
100 مليار دولار عائدات للدول الفقيرة
ان تحرير تجارة السلع الزراعية وعلى رأسها السكر والبنجر وغيرهما فالغاء الدعم الزراعي بالدول الكبرى والغاء رسوم الاستيراد الحمائية المفروضة على السلع الزراعية الواردة من البلدان النامية والفقيرة هو هدف لا بد ان نسعى لتحقيقه مما يشكل اضافة حقيقية في الدخل القومي للبلدان الفقيرة في حدود مبلغ 100 مليار دولار سنويا مما يرفع من قيمة الناتج المحلي الاجمالى بالبلدان النامية والفقيرة في حدود 7% .
ان مايعود علي الدول النامية من الغاء دعم الزراعة بالدول الصناعية يزيد عن كل الدعم المقدم من امريكا لافريقيا.
حلم بعيد المنال
ان هذا الامر حلم بعيد المنال اذ ان لجنة التجارة في السلع الزراعية التابعة للقات قد توصلت لقرار في هذا المعني عام 82 اي قبل 20عاما او تزيد حاثة الدول الصناعية برفع الدعم عن الزراعة والصناعة ثم جاءت مداولات اخري في هذا المعني اهمها جولة اورغواي 1994 والتي حددت جدولا زمنيا لتحقيق ذلك ومازلنا نبحث نفس الموضوع كما جرى في الدوحة والمكسيك وليس هناك تقدم يذكر الا الضئيل الضئيل وكل يوم تشهد المزيدمن الدعم للزراعة بالدول الزراعية وقد قرر بوش مؤخرا دعما اضافيا للزراعة مقداره 19 مليار هذا العام.
المستقبل للسكر السوداني
ويضيف كبج ان حركة المزارعين العالية الصورة والنفوذ في فرنسا تعلن موقفها ضد العولمة رافضة رفع الدعم عن الزراعة وهي حركة مؤثرة يحسب لها كل حساب وهي التي تؤدى لنجاح رئيس الدولة او سقوطه وتؤثر على اعادة انتخاب اعضاء البرلمان.
وعليه ان الدول الصناعية المسيطرة على الاقتصاد والتي تطالبنا بالخصخصة وتحرير الاقتصاد وآلية السوق انماتنطلق بغير ما تفعل فهي المعيق الاول والمشوه للتجارة الدولية بدعمها للزراعة وحمايتها للصناعة وتضيف ان الرئيس بوش بعد 11 سبتمبر قدا تخذ قرارا خطيرا بوضع رسوم جمركية جديدة تبلغ 30% لحماية صناعة الفولاذ بامريكا في وجه الفولاذ المنتج عن اقرب حلفائه في اوربا وكوريا والبرازيل وغيرها.
وعلى هذا فأنني اعتقد ان الدول الكبرى لو اوفت قولها وطابقته بالعمل سيؤدى هذا الى تطور صناعة السكر في السودان وتسجيل ضربة قاضية لصناعة السكر باوروبا وامريكا وغيرها اذا رفع عنها الدعم والرسوم الحمائية وحتى يحدث هذا لا بد ان ننظر ونتعاطف مع هذه الصناعة الوطنية التي تنافس سلعة مدعومة ومحمية بالدول الصناعية ان علينا على اقل تقدير تخفيف وخفض تكلفة الانتاج بالغاء كافة الرسوم والضرائب التي تؤدى الى رفع التكلفة وايضا اعفاء جمركي كامل لكل مدخلات الانتاج المستوردة وان نساعد اكثرمن ذلك بانتاج محلي للسماد والمبيدات التي تصاحب عادة صناعة البترول حتي نقلل من الاسعار العالية التي تدفعها صناعة السكر للشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات.

ليست هناك تعليقات: