الثلاثاء، 15 يوليو 2008

جدل واسع حول موازنة الام 2004

خضعت موازنة العام 2004م لجدل واسع من قبل الاقتصاديين وعلماء الاجتماع الذين تراوحت آراؤهم بين بعض المؤيدين وغالبية من المعارضين لها.. باعتبار انها جاءت امتداداً للموازنات السابقة التي أدت لتنامي الفقر الذي أعمل معوله في المجتمع بصورة باتت تهدد النسيج والسلام الاجتماعيين لأهل السودان. «الصحافة» عرضت الموازنة على خبيرين من مدرستين اقتصاديتين مختلفتين حيث وضعت الاتهامات كافة الموجهة للموازنة وواضعيها امام الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني ورئيس لجنة صياغة مشروع الموازنة عبر الحوار التالي: ابتدر د. بابكر حديثه قائلاً: - الميزانية جاءت امتدادا لبرنامج رئاسة الجمهورية للولاية الثانية وفي اطار الخطة 2004 - 2006م متوسطة المدى وأهم اهداف الميزانية المحافظة على الاستقرار الاقتصادي والحد من الفقر وجاءت ميزانية 2004 لاحداث نمو ايجابي وحقيقي في الاقتصاد الوطني. * الراصد لميزانية 2004م يلاحظ انها ركزت على ذات البنود السابقة التي لم تحقق أي تقدم في مجال التنمية؟ - صحيح ان الموازنة ركزت على ذات البنود ولكنها هذه المرة رصدت للتنمية جزءا كبيرا من الموارد والمبالغ التي رصدت للتنمية نجدها اضعاف ما كان يرصد لها كما ان الولايات تلقت من الدعم ما يفوق السابق بنسبة «89%» وزادت مخصصات الصحة بحوالى «50%» وعملت على زيادة المرتبات بنسبة «60% » اضافة لزيادة المعاشات بنسبة «50%» وهذه الزيادات سيكون لها اثرها البالغ في الحد من الفقر. * الميزانية تم توجيهها بصورة ملموسة للامن والدفاع رغم ان السلام على الابواب؟ - عندما يتم التوقيع على اتفاقية السلام سيتم توجيه كل اموال الدفاع والحركة العسكرية والامنية الموجهة للحرب للسلام والتنمية وبالتأكيد فان توجيه هذه المصروفات مع المنح المتوقع مجيئها للسودان للتنمية بصورة يحسها المواطن وتنعكس عليه ايجاباً. * الميزانيات في السنوات الماضية ظلت ترصد اموالاً للتنمية ولكن لا نشعر بالتنمية؟ - ظلت الميزانية في السنين الماضية بنسبة «90%» ونرى ان تصور الايرادات حال تحقيقه سيحدث نسبة اداء كبيرة في المصروفات على التنمية، ونتوقع لهذا العام احداث عمل ضخم في تنمية الريف في الطرق ومياه المدن الكبرى بدارفور وبورتسودان والميزانية استهدفت اعمال التأهيل في المشروعات الكبرى في الري ضماناً لانتاج عال سيكون ملموساً في ميزانية 2005م. * ولكن الكثيرين يذهبون الى وصف الموازنة بأنها تقليدية وانها لم تختلف عن سابقاتها؟ - اتجاهات الموازنة متسقة مع الرؤية المستقبلية وان جاءت تقليدية في التبويب ـ ولكن كل عين خبيرة بالاقتصاد تقف عند الزيادات غير التقليدية في المرتبات والمعاشات وهذا يعني ان النهج غير تقليدي. بالنسبة للفصل الرابع الخاص بالتنمية ففيه خروج عن المألوف بزيادة الاموال المرصودة للفصل بصورة غير معهودة. * الموازنة لم تحتو على تنمية حقيقية بالولايات التي هي اسباب الصراع الراهن؟ - التنمية القومية كلها ولائية ـ ومفهوم التنمية الولائية مقصود بها التنمية المحلية التي تمولها الولايات او المحليات او الجهود الشعبية المشتركة. والتنمية القومية يقصد بها المشروعات الكبرى التي تمولها الحكومة الاتحادية من مصادر التمويل الداخلية او الخارجية او التمويل بالعجز وهي مشروعات كبيرة في حجمها وتمويلها ولكنها تقام بالولايات. * هنالك عدم مساواة في التنمية فمثلاً الولاية الشمالية تلقت «70» مليار دينار من مال التنمية لخزان مروي ومشروع توطين القمح واعادة تأهيل مشاريع الري؟ - خزان مروي خزان قومي له فوائده في الطاقة والتي ستحدث تحولاً اجتماعياً واقتصادياً من خلال النهضة الصناعية التي اقعدتها الكهرباء ـ وسيحدث الخزان قفزة في مجالات الزراعة والخدمات على مستوى السودان ـ وتمويل هذا المشروع القومي وفرته دول وصناديق اجنبية بعد ان اقتنعت بجدواه وبالتالي لا يعتبر الخزان تمويل ميزانية سنوية بل هو تمويل طويل المدى ـ ونحمد الله ان توفر له التمويل. بالنسبة لتوطين القمح بالشمالية فهو ايضا مشروع استراتيجي نظراً لان للشمالية ميزة نسبية على غيرها ـ والقمح يعتبر سلعة تخص الشمالية بل هو سلعة استراتيجية يستهلكها مواطن الفاشر وجوبا وحلفا. وبالنسبة لتأهيل مشروعات الري فهذه بنى اساسية يمكن قيامها للاستفادة من المياه ـ وهي مثل خزان سنار فهو مشروع يمر بسنار ولكنه يروي الجزيرة. * ألم يكن من الافضل منح الافضلية لتعلية الروصيرص؟ - تعلية الروصيرص امر حيوي ومهم وأرى ان الاهتمام بخزان مروي امر مهم ولكن ما كان يجب ان يشغلنا عن أمر حيوي ومشروع قومي مثل تعلية خزان الروصيرص خاصة وان حاجتنا لمياه الري لا تقل عن الكهرباء. * لماذا لم يثر امر تعلية الروصيرص حتى يمنح الاسبقية؟ - لقد تحدث عن ذلك الدكتور يعقوب ابو شورة وزير الري السابق وقد كانت وزارة المالية امام خيارين. اما تعلية الروصيرص او اقامة خزان مروي ذلك لان المشروعين كانا يحتاجان لموارد مالية ضخمة ـ ولما كان قيامهما في وقت واحد كان القرار منح الاسبقية لمروي وارجاء تعلية خزان الروصيرص. وشخصياً لا اتفق مع ذلك وارى ان مشاريع الري الكبرى مثل خزان الروصيرص تعلو اهميتها على اي مشاريع اخرى خاصة ان قيام مشاريع الري يعني استثمار اراض زراعية واسعة ويعني ايضاً استقراراً سكانياً ونمواً عمرانياً بتلك المناطق خاصة ان مشروع تعلية الروصيرص كان قد بدأ العمل فيه خلال الاعوام السابقة. وهذه دعوة لوزارة المالية في الترويج لتعلية خزان الروصيرص للحصول على التميول اسوة بما تم لخزان مروي خاصة اننا ندرك انه لا مستقبل لزراعة مروية ناجحة تكفل الحياة للملايين الا بتعلية خزان الروصيرص. وهذا ما يتفق عليه كل خبراء الري. * نعود لموازنة 2004 التي اتهمت بأنها اثقلت المواطن بأعباء ضريبية ستحدث زيادة في الاسعار؟ - هنالك دراسة تشير الى ان نسبة عائد الضرائب منسوب للدخل القومي في السودان لا تزيد عن «10%» وهي من أدنى النسب بالمنطقة العربية وافريقيا.. وهنالك دول تفوق نسبة الضرائب المتحصلة الى حجم الدخل القومي تصل الى «18%» وبالتالي فان حجم كل الجبايات (زكاة، ضرائب وغيرها) لا تمثل كنسبة من الدخل القومي شيئاً يذكر.. هنالك تركيز على فئات معينة في دفع الضرائب واغلبها من القطاع الخدمي اذ لايدفع القطاع الزراعي اي ضرائب لان حاله معلوم بقلة الانتاج الناجمة عن ضعف الري وهنالك القطاع الصناعي الخاص الذي لا يدفع الا القليل. وصارت اغلب الضرائب تجبى من القطاعين الخدمي والتجاري. والضرائب تسعى لتوسيع المظلة الضريبية اى ادخال دافعي ضرائب جدد يمارسون اعمالاً ويحققون ارباحاً وقد قدر عدد هؤلاء وفقاً للميزانية بحوالى (28) ألف مواطن او ملف ضريبي جديد على نطاق السودان وحال اتمام ذلك فستكون الاضافة الحقيقية للموارد جاءت بتوسع افقي وليس رأسياً وبالتالي لن يؤدي ذلك لاية زيادات في الاسعار خاصة. وان هنالك تخفيضا في ضرائب الشركات الصناعية ولا توجد زيادة في اية فئة ضريبية. * زيادة الكتلة النقدية بنسبة «21%» تهدد بإحداث التضخم؟ - ذلك استنتاج منك مغلوط فالكتلة النقدية امر حسابي ورياضي من خلال المتوقع للحركة الاقتصادية الكلية والانتاجية والاضافة المتوقعة في الناتج القومي الاجمالي وهي بالتالي محسوبة وفقاً للحراك الاقتصادي والاجتماعي بل يذهب بعض الاقتصاديين الى الكتلة النقدية لا تكفي وقد تحدث اختناقا في السيولة. * هنالك عجز في الموازنة يبلغ (159) مليار دينار وعلاج ذلك اما بفرض ضرائب جديدة او بالاستدانة من الجهاز المصرفي وكلاهما تعارض الحديث عن محاربة الفقر؟ - نسبة العجز بهذا الحجم منسوباً للحجم الكلي للموازنة ليس كبيرا وان كان العجز من حيث هو غير مرغوب فيه ـ جزء من العجز ستتم معالجته بالمنح الخارجية والتدفق المتوقع من الخارج والاستدانة المحكومة بالقانون الذي يسمح للوزارة الاستدانة في ما لايزيد عن «.2%» من الحجم المتوقع للايرادات الكلية على أن ترده خلال العام. * الموازنة موسم للجدل لدول عرفت بالصرف خارج الميزانية؟ - لقد تم التأكيد على ولاية وزارة المالية على المال العام بمعنى ان تصب كل الايرادات عند الوزارة وذلك هو الضمان للإيراد والصرف وهذا امر اصر عليه النواب. * هنالك وزارات مستأسدة لا تخضع لسيطرة وزارة المالية؟ - لقد تم التأكيد على ان الوزارة هي القيمة على المال العام وهي المسؤولة عن ضمان توريد كل الايرادات لخزينتها الاتحادية دون استثناء ومن ثم الصرف على هذه الوزارات. كما هو مجاز بالموازنة ـ وعلى وزارة المالية اتخاذ التدابير التي تضمن ذلك. * تتحدث الموازنة عن نمو يبلغ «5.6%» وهو نمو ليس عاما وانما يشمل قطاعي السكر والبترول؟ - النمو يعني الزيادة الكلية في الناتج القومي الاجمالي في السنة المعنية عن العام السابق لها والنمو حدث في كل القطاعات بدرجات متفاوتة فقد يزيد عن «100%» في قطاع البترول اذ كنا ننتج (100) ألف برميل وغدونا ننتج (200) الف برميل.. في القطاع الزراعي كنا ننتج (2) مليون طن وغدونا ننتج (3) ملايين طن وهكذا كل القطاعات الانتاجية حدث بها نمو بنسب متفاوتة. * حملت الموازنة أعباء اضافية على الزراعة بزيادة أسعار الوقود؟ - الزراعة قطاع معفي تماماً من الضرائب وبالتالي فان «70%» من اهل السودان الذين يعملون في هذا القطاع ليست عليهم أعباء ضريبية فهل من العدل اضافة عبء جديد على «30%» الباقية.. هذه الزيادة (البسيطة) في هذا القطاع العريض لا تشكل زيادة مزعجة خاصة ان الوقود لا يشكل «5%» من تكلفة العملية الزراعية. * خلت الموازنة من أي مشروع تنموي جديد باستثناء سد مروي بينما استهدفت الخطة متوسطة المدى خلق الوظائف كإحدى آليات الحد من الفقر؟ - هنالك مشروعات تنموية كثيرة مثل الطرق القومية كالإنقاذ الغربي وغيره وهناك مشروعات مياه المدن والطاقة ـ صحيح انها ليست من حجم مروي وما قلنا من قبل ان ندرة الموارد وراء تأجيل المشروعات الكبرى مثل تعلية الروصيرص. * ماذا تقولون في ختام حديثكم؟ - الذين ينتقدون التركيز على الدفاع والامن بحجة السلام القادم فالشاهد ان جبهة دارفور قد غدت تتطلب الجهود المالية والبشرية حتى تتمكن من المحافظة على السودان.
محمد إبراهيم كبج في تحليله للموازنة: الموازنة لم تستصحب متطلبات نشر ثقافة السلام وجاءت بذات الأخطاء القديمة زيادة الأجور تكلّف الخزينة «93» ملياراً وزيادة الضرائب تدر «103» مليار أجراه بله علي عمر ومن الطرف الآخر جلست «الصحافة» الى محمد ابراهيم عبده «كبج» وهو اقتصادي معروف اقترن اسمه بالأرقام الإقتصادية وكان حرصنا للقائه بإعتباره الطرف الآخر المقابل للرأى الرسمي الذي تلمسناه عند الدكتور بابكر محمد توم ولأنه أيضاً يمثل مدرسة مختلفة عن تلك التي أعدت وأجازت الميزانية. * جاءت ميزانية العام 2004م في إطار موجهات البرنامج الإقتصادي الذي يعتمد استدامة النمو الإقتصادي الى أى مدى ترون امكانية تحقيق ذلك الهدف؟ - ما سميت بالتحديات الإقتصادية التي جاءت على رأسها استدامة النمو من خلال التنمية القطاعية المتوازنة مع معالجة قضايا الإنتاج والإنتاجية بالقطاع الزراعي كقاعدة اساسية لإنطلاق الصناعة و«تعظيم القمية المضافة» و«قضايا السلام والوفاق الوطني والوحدة الوطنية» و«اعداد برنامج مفصل لإعمار الجنوب والمناطق المتأثرة بالحرب والمناطق الأقل نمواً» وخفض حدة الفقر عبر توفير الخدمات وتنمية القطاع الزراعي التقليدي» و«المحافظة على زيادة القطاع الزراعي بشقيه مع تحديثه والعمل على تكامل الأنشطة الزراعية والنباتية والسمكية والغابية والبيئية». فإننا نلخص ذلك بضرورة الإهتمام بتطوير القطاع الزراعي التقليدي الذي يعمل فيه ما يزيد عن «70%» من سكان السودان وكلهم من المهمشين الذي عانوا من تبعات النمو غير المتوازن الذي كان سمة الإقتصاد السوداني منذ الإستقلال ولكن تزايدت وقائع تدهوره بوتائر سريعة خلال الإنقاذ. لنقف في شئ من التفصيل عند تدهور هذا القطاع؟ كان للقطاع التقليدي وزنه العظيم في الناتج المحلي الإجمالي ففي العام 2001م وفي قطاع الزراعة كان الناتج القومي من القطاع «192.4» بليون دينار حسب تقرير بنك السودان وأسهمت الزراعة المطرية الآلية بحوالى «15.7» بليون دينار في وقت بلغت فيه مساهمة الزراعة التقليدية «90» بليون دينار. وبالنسبة للثروة الحيوانية فقد بلغت مساهمة القطاع التقلدي فيها «311» بليون دينار، وأسهمت الغابات بحوالى «45» بليون دينار، وعليه فإن عائد الزراعة بشقيها النباتي والحيواني بلغ «446» بليون دينار، وبالتالي فإن قطاع الزراعة أسهم بحوالى «68%» من جملة الناتج المحلي الإجمالي للزراعة في 2001م في وقت كانت تمثل فيه «70%» في العام 2000م وكانت «69% » في العام 1999م. * أين التدهور اذن؟ - نريد أن نشير الى حقيقة مهمة هنا وهي ان معدل نمو الزراعة في 1999م كان «8.5%»، انحدر في 2000م الى اقل من «1%» وتحديداً «.8%» ثم اصبح معدل النمو في 2001م «4.7%» والحال ان الخطة العشرية 92 - 2002م التي انقضت في 30 يونيو 2002م كانت تهدف الى نمو قطاع الزراعة بشقيه النباتي والحيواني بنسبة «35%» سنوياً حتى يصبح قاطرة للنمو الإقتصادي ولكن النتائج لا تشير الى ذلك والآن يتكرر الأمر اذ امامنا موجهات تشير الى ضرورة ان تكون الزراعة هي الرائدة للنمو في السودان وهذا الطموح نجده فقط في الموجهات. كيف ترى التوازن التنموي والبلاد تستشرف السلام؟ اعتمادات الميزانية للعام 2003م توفر لها فائض مقداره «186» مليار دينار وذلك كعجز للموازنة الجارية وهي اجمالي للإيرادات ناقصاً اجمالي المصروفات الجارية والمتعلقة بالفصول الأول والثاني والثالث. فعندما تخصم تكاليف التنمية القومية وهي مشمولة في الفصل الرابع فإن هناك عجزاً مقداره «93» مليار دينار اما تقديرات الميزانية للعام 2004م فإن فائض الموازنة الجاري قد ارتفع الى «298» مليار دينار وبعد خصم الفصل الرابع وهو التنمية القومية فإن العجز يساوي «159» مليار دينار وهذه اكبر ميزانية في تاريخ السودان. * ماذا لفت نظركم في الموازنة؟ - الزيادة الضخمة في الأجور والمرتبات والمزايا «الفصل الأول» ففي هذا الفصل ارتفع مبلغه الإجمالي من «199» مليار في عام 2004م وهي زيادة ضخمة من الناحية النقدية. وعلى النحو الآخر فإننا نجد ان ما أعطاه وزير المالية من زيادة في الفصل الأول بلغت «93» مليار جنيه قد اخذه الوزير في الإرتفاع «الفظيع» في عائدات الضرائب غير المباشرة التي يقع عبئها على كل المواطنين وعلى رأسهم العاملون بالقطاع العام. كم بلغت عائدات الضرائب غير المباشرة؟ كان ربط الضرائب غير المباشرة في 2003م «215» ملياراً ارتفعت في 2004م الى «323» ملياراً بزيادة بلغت «108» مليارات دينار وعندما تخصم منها كل الزيادة التي حدثت في الفصل الأول في المرتبات فان الوزير قد خرج رابحاً مبلغ «15» مليار دينار وبهذا يكون الوزير قد باع الترام لنا وللعاملين بالدولة. * لكن من أين للوزير ان يفي بالتزاماته في الزيادات؟ - كان من المفترض ان تكون تغطية الزيادات التي لحقت بالاجور من مصادر أخرى دون الضرائب غير المباشرة. * لماذا لم تحدث الزيادات خلال السنوات الماضية؟ - هذا سؤال يستحق التأمل.. ان الاقتصاد السوداني ظل محتقناً بالتضخم لسنوات متلاحقة منذ 1990م حتى 1997م وذلك بنسبة تزيد عن (100%) طيلة هذه السنوات وقد تجاوز ذلك عندما بلغ (166%) في اغسطس 1996م. ثم بدأ الانخفاض بسبب سياسات الدكتور عبد الوهاب عثمان الانكماشية الى (5.46%) في 1997م وواصل هبوطه الى (9%) في 2003م ولكن هنالك تلاعبا فنيا في الارقام المتعلقة بالتضخم اذ انه قد تم تمويل قاعدة البداية للتضخم سنة 1990م الامر الذي لا يمكن من مقارنة حقيقية للتضم خلال سنوات الانقاذ مع ما قبله. وعلى اية حال فان هنالك فروقات جسيمة متراكمة لصالح العاملين بأجر ناتجة عن آثار التضخم الذي أدى لتدهور قيمة العملة الوطنية وبالتالي أدى الى انخفاض مريع للقوة الشرائية لمرتبات العاملين طيلة السنوات الماضية. ما حدث ان الحكومة تتجاهل نسبة التضخم العالية ولا تضعها في الاعتبار عند تحديد المرتبات من عام لآخر والحال ان نسبة (100%) من التضخم تعنى ان ما كنا نشتريه في العام الماضي بجنيه واحد يحتاج لجنيهين واذا حدث تضخم في العام التالي فان ما كنا نشتريه بجنيه واحد يحتاج لاربعة جنيهات بعد عامين ولهذا فلم يكن غريبا ان اول تقرير تبناه الاستعمار لتحديد أسس الاجور ان ذلك التقرير قد اعتمد مرتبا اساسيا ثابتا لكل وظيفة وألحق به ما سميت بعلاوة غلاء المعيشة وهي التي تعوِّض العاملين من آثار التضخم ولكن العلاوة اختفت الآن. * أين آثار البترول في الاقتصاد والموازنة؟ - دخل البترول العائدات الحكومية وصار رقما مهما في الايرادات ففي عام 2003م كان تقدير الحكومة للبترول (249) مليار دينار ولكنه بلغ (367) مليارا بزيادة بلغت (48%) عن الارقام التي توقعها الوزير في ميزانية 2003م وذلك يساوي (53%) من الايرادات الحقيقية. حدثت الزيادة نتيجة للزيادة التي حدثت في نصيب الحكومة من الانتاج ولاستقرار الاسعار العالمية في مستوى عال ذلك العام. وحسب ميزانية 2004م فانه يتوقع للبترول ان يأتي بعوائد تبلغ (274) مليارا أي حوالى (45%) من اجمالي الايرادات. * ما هي ابرز قطاعات الصرف؟ - الميزانية الجديدة وضعت على نهج سابقاتها فهي تنفق انفاقا اساسيا على قطاعات الامن والدفاع والشرطة فمن جملة الاجور والمرتبات (194) مليار دينار تم توجيه (131) مليارا منها للدفاع والامن والشرطة أي ان هذه القطاعات استنزفت (67%) من جملة الاجور للحكومة المركزية. وعندما ننظر للفصل الاول الاجور والمرتبات ونضيف له منصرفات التسيير في الفصل الثاني فان قطاع الامن والدفاع والاجور يستهلك ما جملته (182) مليار دينار من جملة الاجور والتسيير التي تبلغ (277) مليار دينار في كل الميزانية أي (66%) من جملة الاجور والتسيير. ويمكننا عمل مقارنة ليقف القاريء الكريم على حقيقة الارقام في وقت ذهبت فيه (38) ملياراً لقطاع التعليم مع اهميته وهي تساوي (5.13%) من جملة الاجور والمرتبات والتسيير.. اما الصحة فخصصت لها (11) مليار دينار اي اقل من (4%) من جملة المرتبات والتسيير وهذا يعنى ان ميزانية السلام لم تختلف كثيرا عن ميزانية الحرب. * كيف ان الموازنة تكرِّس للحرب كما تقولون؟ - لقد كانت منصرفات الامن والدفاع والشرطة في موازنة 2000م (151) مليار دينار. كما اشار تقرير بنك السودان وهذا يعادل (62%) من جملة المنصرفات الجارية للحكومة ارتفعت الى (68%) في 2001م يعنى ان موازنة 2004م سارت على ذات المنوال بواقع الحافر على الحافر!! * ما هي قدرة ميزانية التنمية على النهوض بالقطاع الزراعي؟ - قسمت ميزانية التنمية قطاع الزراعة الى عدة بنود على رأسها مشروعات القطاع المروي وقد رصد لتنمية مشروعات الري (74) مليار دينار لكل السودان ولكن نجد ان خزان مروي قد رصدت له (65) مليارا لتتبقى لانحاء السودان كافة (9) مليارات دينار. تذهب منها (540) مليون دينار لتأهيل مشروعات الري بالولايات. مشروعات الزراعة بالولايات رصدت لها في التنمية (6) مليارات و(104) ملايين دينار اخذ منها برنامج توطين القمح بالشمالية (3) مليارات و(172) مليون دينار ذهبت للبنيات الاساسية للري بالشمالية ونهر النيل وتبقت (3) مليارات للقطاع التقليدي. تم تحديد (2) مليار و(661) مليون دينار لمشروعات القطاع المطري ثم مبلغ (4) مليارات و(271) مليون دينار لمشروعات وزارة الثروة الحيوانية ومجموع الري والزراعة والثروة الحيوانية (87) مليارا اخذت منها الولاية الشمالية ونهر النيل (70) مليار دينار. وهذه القراءة لا تساعد في ايقاف الحرب وتحقيق السلام المستدام.. كما ان هذه السياسات قد ادت في السابق الى انخفاض اجمالي الناتج المحلي للزراعة المطرية يزيد عن (55%) في 2000م مقارنة بعام 1999م ـ كما ان الناتج المحلي الاجمالي للزراعة المطرية التقليدية قد انخفض بمقدار (6%) مقارنة بـ 1999م.

ليست هناك تعليقات: