الثلاثاء، 15 يوليو 2008

رغم استقرارها عند 60 دولاراً في السوق العالمي



أسعار الأسمنت في الأسواق المحلية تقترب من الـ 300 دولار للطن

* القيمة الجمركية، الشروط الجزائية لوكلاء السفن، التكدس وتكلفة النقل وراء الأزمةإ

تحقيق: بله علي عمر

شهدت الأسواق المحلية ارتفاعاً مضطرداً في أسعار سلعة الاسمنت فبينما كانت الاسعار تتراوح بين (450-500) الف جنيه للطن في بداية شهر مارس الماضي فقد ارتفعت في بداية أبريل الى (600) الف ثم تصاعدت الى (700) الف جنيه للمستهلك في الأسبوع الماضي. ماهى أسباب هذه الزيادات، هل هى زيادات في السوق العالمي أم هى ناجمة عن أسباب محلية، «الصحافة» في المساحة التالية تبحث عن الإجابة:ظلت المصانع الوطنية العاملة في مجال الأسمنت حتى عام 2001م تغطي ثلث احتياجات الأسمنت فبينما بلغ اجمالي الاستهلاك في 2001م حوالي (575) الف طن انتجت المصانع الوطنية (200) الف طن ليتم سد العجز البالغ (375) الف طن عن طريق الاستيراد غير أن ارتفاع معدلات الاستهلاك التي قاربت المليون ونصف المليون طن في 2004م قد جعل البلاد تعتمد على الاستيراد لتغطية العجز الذي قارب 90% من السلعة. ورغم استقرار أسعار الاسمنت عند (40) دولاراً منذ أكثر من عام الا أن سعر الطن في السودان قد قارب الـ (300) دولاراً للطن ويرى دكتور تاور حسنين الأستاذ بجامعة الخرطوم- كلية الهندسة أنه لاتوجد مبررات منطقية لهذه الزيادات مشيراً الى أن هنالك زيادات ناجمة عن مشاكل النقل المحلية والرسوم غير المقننة كما أن عدم وجود التخطيط العلمي الذي يراعي ويرصد احتياجات البلاد من وقت مبكر خاصة بعد البدء في التنفيذ الفعلي لعدد من المشروعات التنموية الكبري بالبلاد مثل سد مروي وشبكات الكهرباء قد أدت للتصاعد غير المبرر خاصة أن توفير احتياجات سد مروي يتم توفيرها من الأسواق المحلية.* التكدس والشروط الجزائية لوكلاء البواخر:إن حالة التكدس التي يعاني منها ميناء بورتسودان قد اسهمت في بطء اجراءات تفريغ البواخر التي يتحتم عليها البقاء في عرض البحر والانتظار حتى يتم تفريغ المربوط المخصص وتظل الباخرة في انتظار التفريغ لمدة تتجاوز (15) يوماً في بعض الاحيان- ولأن اصحاب الشحنات قد قاموا بنقل السلع بالتعاقد مع البواخر لفترات زمنية معينة فان عدم الالتزام بتفريغ البواخر عند وصولها الميناء يتحتم عليه إنفاذ الشروط الجزائية التي نص عليها التعاقد ووفقاً لافادة ابراهيم الشيخ- من مستوردي مواد البناء - فان الغرامة عن اليوم الواحد تتراوح بين (3-5) الف دولار في اليوم أى أن هنالك (55-75) الف دولار قد أضيفت لتكاليف الشحنة الواحدة- كما أن الكميات التي يجب تفريغها في اليوم الواحد تتراوح بين (800-1000) طن والا تعرض صاحب الشحنة للشروط الجزائية ووفقاً لواقع الميناء فان آليات التفريغ بالميناء ضعيفة ولاتمكن من الايفاء بالشرط الوارد في التعاقد خاصة أن الميناء لم يشهد أي تحديث يستوعب التدفق السلعي الهائل الناجم عن العمليات الاغاثية والمشروعات التنموية الكبرى في مجال البترول والسدود.* غياب التنمية الحقيقية:إن عدم وجود مشروعات تنموية حقيقية تستوعب الأيدي العاملة بالبحر الأحمر ويمثل عمال «الكلات» الشحن والتفريغ الأزمة التنموية الأكثر بروزاً في تضاريس القضية الاجتماعية- وبعد احداث بورتسودات فقد ارتفعت اجور عمال «الكلات» الى الضعف إضافة الى تكاليف الأجر الاضافي التي لايجد المستورد مناصاً من إضافتها على تكلفة السلعة.* السياسة الجمركية:ومن الأسباب التي أدت لتضاعف أسعار الاسمنت النظرة الجبائية للسلطات الايرادية فبينما نجد أن سعر طن الاسمنت الوارد من مصر العربية يبلغ (162) الف جنيه نجد أن جملة ماتفرضه الدولة من جمارك ورسوم موانئ ودمغة جريح وجودة تساوي (142) الف جنيه. الغريب أنه وفي الوقت الذي تبنت فيه الدولة قبل الميزانية خفض التعريفة الجمركية قامت سلطات الجمارك بزيادة التعريفة الجمركية على الحديد وعند مجئ الميزانية وتخفيضاتها كان كل الذي عملته هو رفع الزيادات التي وضعتها قبل أسبوعين من الميزانية- ثم أن لسلطات الجمارك سعراً خاصاً للدولار لم تضعه وزارة المالية وغير متداول في كافة البنوك والقطاعات الاقتصادية فحين كان سعر الدولار (2520) جنيه في كل البنوك كان سعر الدولار لدى الجمارك (2550) جنيه.* إرتفاع تكاليف النقل:تبلغ تكلفة نقل الطن بالسودان حوالي (160) الف جنيه وهى تكلفة تساهم بصورة مباشرة في زيادة الأسعار وهى الأعلى أيضاً ولكنها معقولة ومنطقية عند الوقوف على التكاليف الحقيقية لهذا القطاع- ويمضي الدكتور مصطفى الأمين المتخصص في اقتصاديات النقل أن الدولة لاتقدم شيئاً لقطاع النقل البري الذي يتحمل مسؤولية النقل في ظل خروج قطاع السكك الحديدية. ويمكن العمل على خفض تكلفة النقل اذا قامت الدولة بما يليها من خلال كبح عقليات الجباية التي تعرقل النمو الاقتصادي خاصة إن التدفق السلعي الراهن الذي يهدد الاقتصاد بالاختناق يحتاج الى مضاعفة قطاع الشاحنات والقوة الساحبة للسكك الحديدية بدليل إن هذا التدفق قارب 3 مليون طن منذ بداية العام 2005م بينما لم تتجاوز كل التدفقات السلعية للعام 2004م (6) مليون طن. وعليه فان المطلوب ان تغدو الجهات الايرادية أكثر مرونة مثل منح قطاع الشاحنات اعفاءآت جمركية خاصة الاطارات والاسبيرات التي تشكل أكثر من 60% من تكاليف قطاع نقل الشاحنات.* حزمة المخارج:غير أن المهندس محمد صالح «شركة سودان بابل» التي تعمل في مجال صناعة الانشاءات يرى ضرورة قيام الدولة بانشاء مصنعين للاسمنت وآخر للحديد لأن السلعتين هما مقومتا التنمية ذلك أن التنمية التي حققتها كل الدول جاءت عبر توفير هاتين السلعتين كما أن احتياجات البلاد من هذه السلعة في تضاعف متواصل وعليه فان على الدولة أن تولى هذه الصناعات ذات عنايتها بصناعة السكر في السودان. وهذا ماذهب اليه ابراهيم الشيخ الذي استطرد قائلاً إن على الدولة تبني سياسات داعمة لتشييد الصناعات الكبرى مثل صناعة الاسمنت وذلك لايتأتي في ظل السياسات المالية الراهنة التي تتبناها الدولة. كما أن على أجهزة الحكم أن تدرك أن هنالك رساميل ضخمة ترصد المناخات المناسبة حتى تتجه نحوها وفي ظل السياسات المتبعة حالياً تجاه الاستثمار فان أصحاب رؤوس الاموال لن يأتوا للاستثمار في قطاعات استراتيجية. ربما تأتي بعض الرساميل ذات النشاط الطفيلي أما تلك التي تساهم في التنمية الحقيقية فعلى الدولة العمل على جذبها من خلال الانقلاب على السياسات الجابية الراهنة.

ليست هناك تعليقات: