الأحد، 26 أكتوبر 2008

الكهربا جات
523 قرية بالمناقل تودع الظلام والفقر2-2
تحقيق : بله علي عمر
لا زلت اذكر جيدا ذلك اليوم البارد من فبراير عام 1993 عندما ارسل لي ابن خالي احمد محمد الماصع العودة علي جناح السرعة الي القرية بالمناقل وذلك لامر ضروري وهام , كان السفر في تلك السنوات التي سبقت تعبيد طريق المناقل مدني عبر العريجة تمتد الرحلة لاكثر من (5) ساعات علي متن بصات الاوستن المعدلة , وكان قطعة من جحيم اضافة الي قسوة زمهريرشتاء فبراير, ظللت طيلة الرحلة قلقا بسبب استداعئي خاصة ان صحة الوالدة لم تكن بالمطمئنة وبعد وصولي للبيت وجدت مصطفي عند المدخل فحياني وعندما وقف علي ملامح القلق البادية علي وجهني عاجلني : لا تقلق الحاجة والجميع بخير وفي داخل المنزل حدثني الرجل قائلا : ( خالك ابراهيم يقود تمرد بين الاهالي بسبب خصم المبلغ الذي فرض علي المزارعين من ارباح القطن ) وعندما سالته عن سبب الخصم قال محدثي ان المزارعين قرروا عبر اتحاداتهم في اقسام المناقل اقامة صندوق لمشروع الكهرباء وهذا يعني ان الخصومات تهدف لاعمار البلد ولا نريد لآل الماصع ان يرفضوا دعك عن قيادة المجموعات الرافضة ) وبعد المغرب التقيت خالي الذي يقود التيار المناهض لاستقطاع حقوق المزارعين بعد التحية عاجلني الرجل بسبب عودتي السريعة خاصة انني كنت قد غادرت القرية قبل اسبوع فقلت له انت السبب ثم واصلت حديثه راجيا منه دعم المشروع لا التحريض علي رفضه فاجابني يا ابني ليست قريشات المزارعين هي التي تاتي بالكهرباء فالمشروع ضخم ويكلف مئات الملايين واذا اراد الاتحاد ادخال الكهرباء من قريشات المزارعين فان (مقطوعة الطاري) لن تصل ولو استمر الاستقطاع لخمسين عاما ) كان حديث الرجل منطقي وصحيح كما ان الحديث عن ايصال الكهرباء في تلك الايام نوع من الجنون فقد كان انتاج الكهرباء في تلك الايام هو ذاته كما تركته حكومة نميري والتي ارتبطت باغنية الاطفال ( الكهربا جات املوا الباقات ....هسي بتقطع يا جعفر يا جعفر!!)
(الكهرباء لا تعني بضع شمعات يذهبن بظلام البلدات الحالك في تلك القري وانما هي ثورة حقيقية تحدث تحولا وانقلابا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا يقلب كافة اوجه الحياة) هكذا ابتدرت الباحثة الاجتماعية محاسن السيد حديثها للصحافة ماضيا للقول : ( دعك من مناطق الجزيرة ولنبدا بالمدن الجديدة في الخرطوم وام درمان والخرطوم بحري ولنقارن واقهعا الراهن وحالها بالامس قبل وصول الامداد الكهربائي لنجد ان البيئة السكنية قد تغيرت وجاء تغيرها لمصلحة المواطن اذ غدت البيئة السكنية افضل بكثير وهذا تطور الحياة ان المواطنين يبذلون جهدهم ويدفعون الغالي والنفيس لاصح المساكن حتي يواكبوا التحول المرتقب كما ان الرصد لحركة الشباب يتغير كثيرا قبل وبعد وصول الامداد لان وصول التيار الكهربائي يؤدي لخلق فرص للعمالة عبر انشاء الورش وغيرها ) ياخذ بالحديث الرشيد الطاهر وهو حداد من حلة الشايب عمد مؤخرا الي اقامة ورشة حدادة بالقرية ونجح في شراء ماكينة لحام واشار الرشيد الي ان العمل بورشته اضطره الي الاستعانة ببعض العمال من القرية وفي حلة التوم شرقي المناقل قال احمد حسب الرسول المشهور بودالبحر بانهم بداوا يجنون ثمار وصول التيار الكهربائي وكشف ودالبحر انه سيقوم خلال الايام القليلة القادمة شراء قشارة صغيرة خاصة ان تجربته السابقة مع القشارات اليدوية كانت مجدية وذات جدوي اقتصادية واضاف حسب الرسول الي انه اقنع ابنائه تاج الدين وحسب الرسول والياقوت علي الاستقرار بالقرية خاصة ان دوافع بقائهم بالخرطوم قد انتفت فلم تعد الفدادين الاربع بالمشروع هي وحدها التي تتطلب الايدي العاملة وانما هنالك مشروعه المرتقب الذي يتطلب وجودهم بجواره ويتوقع ودالبحر بان يشهد دخل الاسرة تحسنا ملحوظا )
قرية كضيبات جنوبي المناقل والتي تقع شرقي ترعة الشوال وخارج القطاع المروي شهدت تغيرات ملموسة فاضافة للواطحين الاربع التي تعمل بالكهرباء فقد اقام المواطن اسماعيل علي جبريل ورشة للحداد كما اقام المواطن عباس ادم ابوشنب ورشة اخي فيما كشف التوم بشير ابراهيم كرمة والذي التقتيته بالمناقل بانه يعمل لاكمال مرابحة مع بنك المزارع بهدف حفر بئر في ارضه المطرية بمنطقة الرقل لاقامة مزرعة للخضر والمحاصيل وعندما سالت التوم ( هل قمت بعمل دراسة للجدوي الاقتصادية للمشروع ؟ فاجابني ( التجربة حققت نجاحا خاصة ان المساحة اقتصدية اذ تبلغ 40 فدانا )
سالت المهندس الزراعي عبدالماجد عبدالقادر المرشح السابق لادارة مشروع الجزيرة عن مدلولات اجتياز خطوط الكهرباء لهضبة المناقل فقال : ( ينظر الي هضبة المناقل كوحدة انتاجية منفصلة عن المنطقة المروية بالمشروع وياتي الفصل بسبب الوضع الطبوغرافي للمنطقة التي تتجاوز مساحتها (400) الف فدان وهذه المساحة تكاد تشكل (50%) من المساحة المزروعة في كل عروة بالمشروع كما انها تبلغ ايضا (50%) من مساحة امتداد المناقل وهذه الاراضي عينة ) KLAY CRACKING SOIL)
اي الاراضي الطينية المتشققة تمكن من زراعة المحاصيل التقليدية بالمشروع او التوجه للانتاج الحيواني ) ومضي المهندس عبدالماجد للقول : ( وصول التيار الكهربائي للمنطقة يعني ان قيام مشروع الهضبة بات اقرب للواقع خاصة ان المطلوب فصل ترعة عن ترعة الشوال عند منطقة ودياسين والتوجه بها غرب وعند توقف الانسياب الطبيعي يتم تركيب المضخات الكهربائية
في ترعة جديدة تتفرع هي الاخري الي قنوات مع استحداث وسائل جديدة لري كل وحدة انتاجية عن طريق الري المحوري لكل وحدة ) واختتم عبدالماجد ان وصول الكهرباء لمناطق الهضبة مؤشر لتحول اقتصدي يمكن من خلاله ان تساهم المنطقة في دعم الناتج الاجمالي شريطة الترويج للمشروع والذي يتوقع له ان يستقطب راس المال الاجنبي خاصة ان الازمة المالية العالمية وارتفع اسعار الغذاء تدفع للاستثمار في المشروع )
الفاتح مصطفي خبير زراعي حدثني قائلا : مشروع كهرباء المناقل يعني اجتثاث الفقر بمنطقة الهضبة خاصة ان(70%) من الاراضي الممتدة من المناقل وحتي حدود ولاية سنار هي اراض حكومية شق ترعة بالمنطقة يمكن من استزراع (400) الف فدان واذا منح كل مزارع عشرة افدنة فهذا يعني توزيع (40) الف مزرعة علما ان عدد مزارعي الجزيرة والمناقل معا لايتجاوز (180) الف مزراع كما ان طبيعة المنطقة قابلة لاستزراع محاصيل نقدية مثل الهوهوبا الذي يعتبر من اغلي المحاصيل النقدية خاصة ان زيته يستخدم في وقود الطائرات وبعض الصناعات الحيوية الاخري ) ولا يخفي الفاتح توقعاته بان تشهد المنطقة نهضة اقتصادية وزيادة في دخلها ليعيد حقبة الجزيرة في اربعينات وخمسينات القرن الماضي عندما كانت مصانع النسيج العالمية توفد اداراتها للجزيرة للحصول علي اقطانه الممتازة من الصنف طويل التيلة .
المهندس الكهربائي الصادق الحاج ثمن تنفيذ مشروع كهرباء المناقل مؤكدا انه جاء نتيجة توافر انتاج الكهرباء في اعقاب تنيفذ عدد من مشروعات التوليد الحراري وعلي راسها محطات الشهيد وقري وكوستي التي اكتمل بعضها فيما يتوقع دخول الاخري والمحطات الثلاث تنتج (1200) ميقاواط ويجري العمل حاليا في مشروعات محطات الفولة وبورتسودان والباقير لانتاج (1485) ميقاواط كما يجري العمل في محطة التوليد خزان الحمداب لتوليد (1250) هذا يعني ان انتاج الكهرباء سوف يقفز الي (3935) ميقواط علما ان اجمالي الانتاج لم يكن يتجاوز (450) ميقاواط قبيل سنوات , واذا كانت ابراج الضغط العالي قد امتدت حتي بورتسودان شرقا وحتي دنقلا وغربا فان الابيض علي مشارف الدخول ومنها ستواصل الابراج رحلتها الي دارفور كما تمتد الان الي الجبلين لذلك فليس بمستغرب ان تتمتع قري المناقل بالامداد الكهربائي , وعن الاثر المرتقب لوصول الامداد للمناقل اشار المهندس الصادق الي المناقل مدينة صناعية يمكنها ان تبرز كعلامة علي خارطة البلاد الصناعية خاصة في الصناعات التحويلية بيد ان ضعف الامداد الكهربائي للمدينة حجم التوجه للتصنيع غير ان الامداد الحالي واقامة المحطة الجديدة يمكنان في توفير الامداد الكافي للصناعة مهما كان ثقلها
تركت اهل القري بالمناقل ولجانهم علي مستوي القري تعمل علي قدم وساق لتكملة الشبكات الداخلية اما الاهالي في القري التي وصلها الامداد فهم مشغولون بالعمل في شبكات المياه والبعض يعمل علي تاهيل بيئته السكنية حتي تكون في مقام الوافد الجديد كما سنقوم في الاعداد القادمة لملاحقة التحولات في المناطق الاخري مثل شرق الجزيرة وقري تمبول والبطانة وقري غرب الحوش والتي تشهد هي الاخري ثورة علي مستوي القري لاكمال مشروعات انارتها .

ليست هناك تعليقات: