الخميس، 23 أكتوبر 2008


الكهرباء جات ..523 قرية بالمناقل تودع الظلام والفقر (1)
تحقيق بله علي عمر
لا زلت اذكر جيدا ذلك اليوم البارد من فبراير عام 1993 عندما ارسل لي ابن خالي احمد محمد الماصع العودة علي جناح السرعة الي القرية بالمناقل وذلك لامر ضروري وهام , كان السفر في تلك السنوات التي سبقت تعبيد طريق المناقل مدني عبر العريجة تمتد الرحلة لاكثر من (5) ساعات علي متن بصات الاوستن المعدلة , وكان قطعة من جحيم اضافة الي قسوة زمهريرشتاء فبراير, ظللت طيلة الرحلة قلقا بسبب استداعئي خاصة ان صحة الوالدة لم تكن بالمطمئنة وبعد وصولي للبيت وجدت مصطفي عند المدخل فحياني وعندما وقف علي ملامح القلق البادية علي وجهني عاجلني : لا تقلق الحاجة والجميع بخير وفي داخل المنزل حدثني الرجل قائلا : ( خالك ابراهيم يقود تمرد بين الاهالي بسبب خصم المبلغ الذي فرض علي المزارعين من ارباح القطن ) وعندما سالته عن سبب الخصم قال محدثي ان المزارعين قرروا عبر اتحاداتهم في اقسام المناقل اقامة صندوق لمشروع الكهرباء وهذا يعني ان الخصومات تهدف لاعمار البلد ولا نريد لآل الماصع ان يرفضوا دعك عن قيادة المجموعات الرافضة ) وبعد المغرب التقيت خالي الذي يقود التيار المناهض لاستقطاع حقوق المزارعين بعد التحية عاجلني الرجل بسبب عودتي السريعة خاصة انني كنت قد غادرت القرية قبل اسبوع فقلت له انت السبب ثم واصلت حديثه راجيا منه دعم المشروع لا التحريض علي رفضه فاجابني يا ابني ليست قريشات المزارعين هي التي تاتي بالكهرباء فالمشروع ضخم ويكلف مئات الملايين واذا اراد الاتحاد ادخال الكهرباء من قريشات المزارعين فان (مقطوعة الطاري) لن تصل ولو استمر الاستقطاع لخمسين عاما ) كان حديث الرجل منطقي وصحيح كما ان الحديث عن ايصال الكهرباء في تلك الايام نوع من الجنون فقد كان انتاج الكهرباء في تلك الايام هو ذاته كما تركته حكومة نميري والتي ارتبطت باغنية الاطفال ( الكهربا جات املوا الباقات ....هسي بتقطع يا جعفر يا جعفر!!)

في منتصف سبتمبر الماضي كان علي حضور انارة ( حلة التوم) وسبقتها ( حلة الشائب التي تمتع سكانها بالامداد قبل حول من الزمان كما احتفلت رفاعة بالدخول في شبكة الكهرباء ) لقد تغير حال القري الثلاث فقبيل وصول شبكات الامداد الكهربائي اكتمل تشييد شبكات المياه ان التمتع بالهواء البارد الذي تدفعه المراوح امر ترفضه النفس الابية طالما النساء – شقائق الرجال – يعانين جلب المياه علي رؤسهن من الدونكي فكانت شبكات المياه التي باتت تنتشر في كافة القري
في اليوم التالي لزيارة للنطقة كان علي الانتقال من مجمع ام دغينات شرق المناقل الي الشوال علي تخوام النيل الابيض وطيلة الطريق كنت اشاهد خطوط الامداد الكهربائي ولا غرو فقد تحولت العنقاء الي واقع يعيش بين الناس
ابرز ملامح الحراك الاجتماعي الراهن بالمناقل هو قري المحلية المناقل تشهد هذه الايام اعمالا داؤوبة في كهرباء الريف علي مستوي لجان القري بعد اكتمال كافة خطوط الضغط العالي التي تجاوز طولها الالف كيلومتر بين خطوط (33) و(11) كيلوفولت وبعد اكتمال تشييد المحطات الرئيسية بالمناقل والعزازي و(24) القرشي ومعتوق , ويبلغ عدد القري التي يستهدفها المشروع (523)قرية امتدت خلالها الشبكة حتي مسعود الواقعة علي بعد (130) كيلومتر الي الشمال من مدينة المناقل حاضرة المحلية لتمتد الخطوط الناقلة الي اريطل الواقعة جنوب المناقل وعلي بعد (50) كيلومتر وفي القطاع الجنوبي الغربي استهدف المشروع قري منطقة الشوال التي تبعد اكثر من (130) كيلو متر والي مناطق الماطوري وابو ادم بطول (153) كيلومتر وفي القطاع الشرقي تمتد الخطوط بطول (50) كيلو متر لامداد مجمعات ام دغينات ومجمع قري الطليح وودمحمود .
المشروع يغطي كافة انحاء المحلية سواء للقري الواقعة داخل مشروع الجزيرة وتلك التي تقع خارج القطاع المروي والتي كانت الاكثر حاجة للامداد الكهربائي خاصة ان المنطقة الواقعة خارج مشروع الجزيرة ظلت تشهد تصاعدا في معدلات الفقر ما ادي لزيادة معدلات نزوح سكان القطاع المطري الي داخل المشروع بعد انتهاء الحصاد في القطاع المطري وذلك بسبب الجفاف وعدم توفر الموارد المائية الكافية وقد ادت حالة عدم الاستقرار بالمنطقة الي ارتفاع معدلات الفاقد التربوي وثمن محمد ابراهيم الحاج وهو خبير اقتصادي ومن ابناء المنطقة امتداد خطوط الكهرباء بالمناطق الواقعة خارج مشروع الجزيرة اذ باتت قابلة للاستثمار الزراعي خاصة ان مساحتها تتجاوز نصف المليون فدان كما ان توفير الامداد الكهربائي يعني الاستقرار ومناهضة الفقر وعودة التلاميذ للمدارس وفي ذلك يقول الاستاذ احمد الامام فضل المولي موجه بتعايم المناقل ان وصول الامداد للقري يعني خلق البيئة المواتية للاستيعاب خاصة ان تحصيل الصباح الباكر والتحصيل الليلي للتلاميذ هو الاكثر رسوخا في ازهانهم
سألت المهندس عمر عبدالرحيم احمد وهو من قيادات المنطقة عن المشروع ومدلولاته الاجتماعية والاقتصادية فاجابني قائلا : ( بدء لابد من الاشارة الي ان مشروع كهرباء المناقل كان حلم سكان المنطقة الذين يتجاوز عددهم المليون نسمة وفقا للاحصاءات الرسمية ويمضي عبدالرحيم للحديث : ( رغم ان امتداد المناقل يشكل اكثر من (52%) من المشروع ويساهم بحوالي (57%) من جملة انتاج المحاصيل بالمشروع نجد ان القري التي تتمتع بخدمات الامداد الكهربائي كانت حتي 1993 لا تتجاوز (18) قرية من عدد القري التي تتجاوز الستمائة قرية , في اواخر 1993 جلس نفر كريم من قيادات ريف المناقل وقرروا ضرورة النهوض بالمنطقة ولما كانت الكهرباء هي احدي اهم اليات محاربة الفقر فقد تقرر بعد الاتصال بالمزارعين عبر مجالس انتاجهم واتحاداتهم استقطاع رسم معين عن ارباح الاقطان ليبدا الاستقطاع منذ ذلك التاريخ ) وهنا ياخذ بالحديث الشيخ عبدالباقي علي رئيس مجلس محلية المناقلوعضو اللجنة العليا فيقول: ( كانت لدينا عزيمة لا تلين وكنا ندرك ان اهلنا يعانون العوز والفاقة وان هدفنا من المجيئ بالكهرباء هو تغيير واقعهم المرير ولكننا كنا مؤمنين بان ثمة رجال جلبوا علي تقديم ما ينفع الناس ودعم المستضعفين ومن يسمونهم بناس الهامش وذلك ما حدث جمعنا من المزارعين وفي هذا الوقت ظظلنا نسمع عبر الصحف عن استراتيجية الهيئة القومية للكهرباء والتي تهدف للوصول بالخطوط الي بورتسودان والابيض والرك ودارفور وغير , كنا نسمع عن اقامة محطات التوليد في كرري وكوستي وبورتسودان وقبل ثلاث سنوات قررت الهيئة القومية للكهرباء تغيير الخط الناقل لكهرباء المناقل واستبداله بالابراج من مارنجان الي المناقل فصار وصول الامداد واقعا وبعد ذلك وقفت وجدت اللجنة العليا لكهرباء المناقل الهيئة القومية ومنسوبيها علي مستوي المدير العام ومساعديه وفنني الهيئة وعمالها وآاليات الهيئة يقفون بجانبهم يقدون الدعم ويوجهون حتي اكتملت خطوط الضغط العالي وباتت الخطوط ملتفة بالقري ولم يبقي الا ان تستنفر لجان القري مواطنيها لاكمال هذا العمل غير المسبوق ليس علي مستوي السودان والاقليم وانما علي مستوي العالم , بل ان انتشار الكهرباء التي شهدتها مصر الشقيقة في اعقاب بناء السد العالي يقيف قزما امام انارة (523) قرية بالمناقل والتي تمت خلال سنوات لم تتجاوز اصابع اليد الواحدة .
سالت للدكتور احمد حاج الصديق وهو باحث اجتماعي من ابناء المنطقة عن مدلولات دخول الكهرباء فاجابني قائلا : ( ان ادخال الكهرباء لا يقف عند انارة القري والبلدات وانما يتجاوزها للتنمية المستدامة واجتثاث الفقر فالكهرباء تعني اقامة ورش الحدادة بالقري كما تعني تشييد وتشغيل قشارات المحاصيل وتعني اقامة المعاصر الصغيرة كما انها تعني اقامة مزارع الخضر والفواكه في القطاع المطري خاصة ان التربة بتلك الانحاء من عينة الطينية المتشققة والتي يري الزراعيون انها اكثر انواع التربة خصوبة – كنت قد شاهدت عددا من المزارع الخلوية تحيط بقرية ام دغينات علمت انها تروي بالمياه الجوفيه بعد وصول الامداد الكهربائي وتوقع الصديق ان تجذب منطقة الهضبة الواقعة خارج المشروع والتي تتجاوز مساحتها الخمسمائة الف فدان المشتثمرين الاجانب بعد عبرتها خطوط الكهرباء .
الاستاذ احمد الامام موجه تعليم بالولاية قال لي ان اكثر الفاقد التربوي بالجزيرة يوجد بمنطقة الهضبة نسبة لظروف المنطقة والتي يضطر سكانها للنزوح الي داخل المشروع مما يضطر الاسر الي استصحاب الابناء خلال تلك الفترة وعن الاثر المرتقب لدخول الامداد الكهربائي قال الامام ان الجولات الميدانية للمدارس في القري التي وصلها الامداد يشير الي ان نتائج امتحانات الدخول للثانوي الجامعات ستشهد قفزات غير مسبوقة في الاعوام القادمة فالانارة تشجع التلاميذ علي استذكار دروسهم خاصة في الصباح الباكر وهي الفترة التي يشير التربويون الي انها الاكثر رسوخا في ازهان التلاميذ عندما يستذكرون دروسهم ابانها كما ان اضاءة المدارس عادت ما يعني عودة التلاميذ للاستذكار في بواكير الامسيات

ليست هناك تعليقات: