الثلاثاء، 21 أبريل 2009

قام علي عاتق الدول الصديقة والمنظمات

التدريب المهني اساس السلام الاجتماعي يفتقر للدعم السياسي




تحقيق : بله علي عمر
تعتبر العمالة الاجنبية في كافة القطاعات المهنية ابرز ملامح خريطة العمل بالبلاد وجعلت الكثيرين يقفون عند مجرد عض بنان الندم على ضياع تلك الوظائف في ظل عجز العمالة الوطنية عن منافسة الاجنبي، بما في ذلك العمالة التي تخرجت في المعاهد ومراكز التدريب الوطنية التي كان حري بها ان تخرج كوادرا مؤهلة وقادرة على تلبية كافة المتطلبات المهارية التي يطلبها سوق العمل، بيد أنها ولعدم تلقي التدريب الكافي لا تستطيع المنافسة . فلماذا فشلت مراكز التدريب المهني الوطنية في تفريخ الكوادر والايدي العاملة القادرة علي تلبية احتياجات سوق العمل ؟
كانت البداية في قطاع الشاحنات اذ حدثني مسئول احدي ابرز شركات النقل بالبلاد مجيبا علي ملاحظتي عندما قلت له : ( لفت نظري وانا ادخل لمكتبك وجود عدد كبير من العمال الاجانب فما هو سبب هذا الوجود الكثيف للعمال الاجانب بالشركة ؟ ) فاجابني الرجل ( ديل سواقين تعاقدنا معهم للعمل معنا ) وعندما وقف الرجل علي اسباب دهشتي مضي للقول : ( لقد قررنا توظيف السائقين الاجانب لانهم مؤهلين والشاحنات مكلفة وبالتالي لابد من وضعها بين ايدي سائق مؤهل ) خارج مكتب مسئول الشركة وجدت االميكانيكيين وفني كهرباء السيارات اغلبهم من الاجانب ان هذا يعني ان معاهد ومراكز التدريب المهني والمدارس الصناعية الوطنية فشلت في تفريخ الكوادر الوطنية القادرة علي اقتلاع ثقة اصحاب العمل وعلمت لاحقا ان احدي شركات النقل اقامت مركز لتدريب السائقين وان ذلك التوجه جاء لدعم القضية الاجتماعية من خلال توظيف العمالة الوطنية كما جاء ذلك التوجه بدعم وتاييد ومباركة من وزارة العمل وزراعها المعني بالامر وهو المجلس الاعلي للتدريب المهني والتلمذة الصناعية .
في العام قبل الماضي وتحديدا في 4 -2 -2006 اعلن والي الخرطوم عن تبنيه ورعايته الشخصية لاعادة الحياة للتعليم المهني الذي وصفه بالركيزة الاساسية للنهضة الاجتماعية والاقتصادية مما دفع الولاية لتوزيع المعدات اليدوية الخاصة باكثر من (20) تخصصا وثمن عثمان احمد محمد من اللجنة الفنية للتعليم الفني جهود والي الخرطوم وتفهمه للدور الاجتماعي والاقتصادي للتدريب المهني ومنسوبيه ووعده برصد مليار دينار لاعادة تأهيل التعليم المهني وتنفيذ للالتزام الخاص باعادة تاهيل (6) مراكز بتكلفة (600) الف دولار وتوفير معدات واجهزة يدوية بتكلفة بلغت (850) الف دولار وسعيه لتاهيل (16) مؤسسة في التعليم الفني . الفريق مهندس محمد احمد رسمي الامين العام للمجلس الاعلي للتدريب المهني والتلمذة الصناعية اشاد بدور الولاية التي دعمت القطاع بعد ان ظل يعتمد علي الدعم الاجنبي منتقدا لسياسات الكلية التي تجاهلت التعليم الفني رغم اهميتة الاستراتيجية في تحقيق النهضة محذرا من ان تجاهل التعليم الفني يسهم في تدفق العمالة الاجنبية ليخسر الشباب السوداني مطالبا بالتدريب التحويلي الذي اعتبره المخرج من ازمة قلة الوظائف . وتحدث والي الخرطوم الدكتور عبدالحليم اسماعيل المتعافي تحدث في ذلك اللقاء مؤكدا ان الولاية تعمل على توفير (20) مليون دولار خلال عام للصرف علي التعليم الفني والمهني بالولاية مضيفا ان الولاية تتوقع ان تستلم من الاتحاد الاوربي (6) مليون يورو خلال ايام كما تجري الولاية مفوضات مع عدد من بيوت التمويل لتوفير (7) مليون اخري مؤكدا حرص حكومته على انشاء قاعدة متينة للتعليم الفني لتلبية حاجة سوق العمل الوطني والاجنبي بالكوادر الفنية المؤهلة كما ستقوم الولاية بابتعاث (20) من معلمي التدريب المهني الى تركيا للتدريب على احدث التقانات في مجال التدريب المهني واعلن والي الخرطوم استعداد الولاية لطباعة المناهج شريطة ان تأتي ملبية لكافة التطلعات وان يقوم بوضعها العلماء والمؤهلون والمواكبون.
بعد ثلاث اعوام من هذا اللقاء لازالت العمالة الوافدة تسد الطريق امام العمال الوطنيين ولا يخفي اصحاب العمل حرصهم علي توظيف العامل المؤهل القادر علي القيام بواجبه علي الوجه الاكمل فقررت ان اقف علي حال التدريب المهني فاتجهت صوب المجلس الاعلي للتدريب المهني واللمذة الصناعية بشارع الجامعة حيث التقيت اسماعيل الازهري الشيخ بري مدير الادارة العامة للشئون الفنية مستفسرا عن واقع التدريب المهني فكان مدخل الرجل للحديث التعريف بادارته التي تعني باعداد المناهج وتنفيذ كل البرامج المتاحة في مراكز التدريب المهني لنتقل بالحديث الي واقع الميزانيات المتاحة لتنفيذ برامج الادارة واصفا اياها بانها ضعيفة ومثل كافة مؤسسات الدولة فان الادارة تعتمد في الميزانية علي مال التسيير وهو خاضع لسياسات وزارة المالية وفقا لاولوياتها التي تمكنها من الايفاء بالتزامات الدولة ومال التسيير المخصص للامانة ياتي في دفعيات شهرية وهذه الدفعيات تتفاوت من شهر لاخر وقد يصل العجز في بعض الشهور الي نسبة 30%وهي بالتالي متارجحة وغير ثابته فضلا عن انها لا تكفي لتسيير برامج التدريب المهني .
ويمضي مدير الادارة الامة للشئون الفنية بالمجلس الاعلي لمراكز التدريب المهني الي ان التدريب المهني ظل يعتمد في انشائه ودعمه الفني علي الدول الصديقة مثل المانيا التي شيدت (3) مراكز بالبلاد والصين وكوريا الجنوبية وقد انشات كلا منهما مركزا واحدا اضافة لبرنامج الامم المتحدة الانمائي الذي شيد خمس مراكز للتدريب المهني وهناك منظمة العمل الدولية التي شيدت مركزين ولم يقف دعم هذه الجهات علي التاسيس فقط بل ظل دعمها متواصلا حتي العام 1988 التي توقف فيها الدعم ليعتري هذه المراكز الكثير من التصدع في بنياتها التحتية اذ تاثرت بوقف الدعم الفني الذي امتد للورش والمعامل وبالتالي كان طبيعيا ان يمتد الاثر الي مخرجات هذه المراكز فتخرجت العناصر غير المواكبة لمتطلبات وتقنيات سوق العمل فكان الطريق سهلا لدخول العمالة الاجنبية .

الدكتور عبدالرحمن الحاج باحث اجتماعي انتقد نظرة كبار المسئولين والسياسيين للتعليم الفني وقال انها ما زالت دون المستوى ولا توجد ارادة سياسية داعمة له منذ الاستقلال علما ان السودان من أوائل الدول التي اعتمدت الدراسة الفنية العام 1958م بعد خروج المستعمر و حدث النقص في الأيادي العاملة ، فلجأت الحكومة للاستعانة بعمال مدربين لتأهيل العاملين، فأنشأت مركزاً في الخرطوم في العام 1958م وسمي بمركز رفع المستويات والاسم التاريخي له البركس وهي ثكنات الجيش لرفع مستوى العمال الذين يعملون في القطاع الخاص والعام.. وبعد فترة برزت إلى الواجهة إشكالات جديدة أهمها المطالبة بتحسين أجور هؤلاء العمال فألحقوا نظاماً سمي بالاختبارات المهنية للقطاعين العام والخاص . وفي عهد حكومة الإنقاذ اهتمت جاء الاهتمام بالتدريب المهني ووضعت هيكلاً تنظيمياً لرفع القدرات بإنشاء مراكز جديدة بيد انها لم تلتفت لاستراتيجيتها الشاملة الصادرة في عام 1990 عندما رات ضرورة ان يشكل التعليم الفني نسبة 60% مقابل 40% للتعليم الاكاديمي بيد انه وحتي 2003 نهاية الاستراتيجية لم تتجاوز نسبة التعليم الفني 4% من نسة العليم بالبلاد

ويري دكتورعبدالرحمن ان محدودية المراكز وافتقارها الورش والمعامل تعيق تفريخ العنصر الوطني القادر علي تلبية متلبات سوق العمل في وقت يشهد فيه الاقتصاد الوطني نموا مضطردا كما ان هذه المراكز تفتقر للكادر البشري لعد وجود ما سماها بعناصر الجذب كفرص التدريب بالخارج منذ العام 1986
ياتي الخلل في وقت تشير فيه مشروعات الطلاب لقدراتهم الابداعية والعديد من الطلاب يتقدمون بمشروعات تكاد تكون نموذجية وفيها ابتكار
الصورة الغاتمة دفعتني للعودة الي اسماعيل الازهري مدير الادارة الفنية بالمجلس الاعلي للتدريب المهني فقلت له هل انفض سامر التدريب المهني بالبلاد بتوقف الدعم الاجنبي ؟ فاجابني وقد بدات ملامح الحزن البادية علي وجهه في التراجع ليقول في العامين الاخيرين بدات الاوضاع في التحسن في اعقاب اتفاقيات السلام اذ بدات المعونات الفنية والمنح تنشط لتبدا رحلة التاهيل فعلي سبيل المثال نجد ان مركز التدريب السوداني الكوري بجبرة يشهد الان عملية تاهيل كاملة وفرت لها الموارد الحكومة الكورية عبر وكالة التعاون الدولية الكورية بتكلفة تقدر بحوالي المليوني دولار ونتوقع عودة الحياة للمركز في العام القادم 2010 وهنالك اتفاقة مع الجكومة اليابانية لتطوير منظومة التدريب المهني وتاهيل مركز الخرطوم 2 وهذه الاتفاقية تمتد تي العام 2016 اذ تم عبرها توفير معدات حديثة بما قيمته المليار جنيه لتاهيل مركز تدريب الخرطوم 2 في اقسام اللحام الميكانيكا العامة والاليكترونيات . وهناك اتفاقية اخري ابرمت مع منظمة العمل الدولية تقضي بتطوير التدريب المهني في السودان اضافة لعدد من الاتفاقيات الثنائية الموقعة في شكل بروتوكولات فنية مع مصر والاردن وايران وجميعها تهدف لتطوير التدريب المهني في السنوات المقبلة

ليست هناك تعليقات: