الأربعاء، 1 أبريل 2009

التهمت عائدات النمو : العمالة الوافدة تهدد الامن الاجتماعي




تحقيق : بله علي عمر
بكم تشتغل لي متر البياض ؟ سأل الرجل جاره الذي يمتهن البياض - والتبييض للذين يجهلون من مراحل البناء وهو يعني اعمل ( تخشين ) الجدران بالاسمنت – فاجاب الاسطي علي ان الاسعار مختلفة بين بيض الجدران وتبييض السقوفات وكل بسعره , متر الجدران باربع جنيهات للمتر وثلاث لمتر الجدران . لم يصدق صاحب البناية هذه الاسعار لتواضعها ولانها تقل كثيرا عن اسعار العام الماضي فاقسم علي ان يقوص في عالم عمال الانشاءات لمعرفة اسباب الانخفاض وان هي الا ايام فلقيني الرجل مستبشرا وهو يصيح : ( ينصر دبن العمالة الوافدة ) كنت قد نسيت ان الرجل كان قد وعد ببحث اسباب انخفاض اسعار اعمال البياض وعندما قرا ملامح الدهشة علي وجهي قال : ( ان العمال الوافدين وراء انخفاض اسعار البناء والتشييد انهم يشتغلون بنصف اجور العمال الوطنيين وعملهم اكثر جودة وكفاءة ) احساس مرير انتابني وانا استمع للرجل ففي الاسبوع الماضي حدثني جاري النجومي بابكر ان عدد كبيرا من البنايين وعمال التشريد باتوا اقرب للتشرد بعد تدفق عمال البناء والتشطيب من احدي الدول المجاورة , لقد تصدر الحديث عن الوجود الاجنبي كافة الوسائط الاعلامية خلال الفترة الماضية
(الصحافة ) تعمد عبر المساحات التالية للعودة للتحقيق في الامر مع التركيز علي محور العمالة الاجنبية واثارها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية خاصة بعد تنامي مخاطر الازمة المالية العالمية التي تجتاح العالم ودفعت الشركات العالمية الكبري الي تسريح عمالها وفي داخل البلاد فاضافة لما تشكله العمالة الوافدة من استنزاف للموارد الاقتصادية نظير الأجور التــي تتقاضاها وإلى التكلفة المالية غير المباشرة لهذه العمالة المتنامية نتيجة لتحمل الدولة الجانب الكبير من هذه التكلفة عن طريق الدعم المباشر وغير المباشر للخدمات (الرعاية الصحية والتعليمية ، والمواصلات ، الكهرباء ، المـواد الغذائية … الخ ) واضافة لذلك فهناك تكلفة ما يسمي بأجر الظل (Shadow Wages) بأكثر من ضعفي الأجر النقدي ومن مخاطرها انها تتزايد في وقت تتزايد فيه نسبة البطالة في المجتمع .
واضافة لما يردده الخبراء من ان الطفرة النفطية خلال السبع سنوات الأخيرة و ازدياد العائدات النفطية وراء استجلاب العمالة الوافدة الماهرة والعادية ، وذلك للرغبة في توفير الحياة العصرية الحديثة للمواطنين وتهيئة الظروف المناسبة للتوسع في مشروعات الإسكان والطرق وغيرها من مشروعات البنية الهيكلية ومختلف الخدمات الأخرى فان تدني أجور العمالة الوافدة و الموقع الاستراتيجي للسودان.


العمالة الموجودة في السودان من قارات العالم كلها تقريبا وتشكل آسيا نسبة 54% من جملة العمالة المؤهلة الوافدة حيث يبلغ عددهم في (16274) ويتمركزون في قطاعات حيوية مثل (البترول والكهرباء والطرق والجسور) وتحتل الصين المرتبة الأولى بنسبة عمالة وصلت إلى (51%) من إجمالي عدد الآسيويين بالسودان. وهناك عمال من باكستان والهند وبنغلاديش والفلبين وأغلب عمال هذه الدول يعملون في القطاع الصناعي كالسكر والصناعات الغذائية والمهن اليدوية التي تتطلب مهارة عالية في مجالات كالبناء والتشييد والنسيج والمجالات الطبية كالمستشفيات ومهنة خدم المنازل والمربيات. لدينا في الس
وتوجد بالبلاد عمالة من دول آسيوية عربية مثل سوريا ولبنان التي ارتفع عدد عمالها المقيمين بالسودان من (288) عاملا في العام 2003م إلى (311) في العام 2004م فيما ارتفع عدد العمال السوريين من 642 عام 2003م إلى 653 في العام 2004م الي اكثر من (5000) في 2007 وفقا لبعض التقديرات . ويعمل أغلبهم في تجارة الأطعمة والكافتيريات والفنادق وقيادة الشاحنات والبصات السفرية.

العمالة الإفريقية وفقا لسجلات مكتب العمل الخارجي وهو الزراع الرسمي المعني بتنظيم العمالة الوافدة معظمها من مصر وأثيوبيا واريتريا والنيجر والصومال ونيجيريا ويعمل معظم المصريين الذين تجاوز عددهم في السنة الماضية (50) الفا في مجال التدريس والبناء والتشييد بينما تتركز العمالة الإثيوبية والاريترية في العمل بالمطاعم وقيادة الشاحنات والحلاقة وخدم المنازل والمهن البسيطة مثل بائعات الكسرة والشاي... ويعمل عمال النيجر ونيجيريا في مهن هامشية كالعتالة (حماليين ) وصيانة الساعات والأجهزة الكهربائية وأعمال الدجل والشعوذة.وأما العمالة الأوروبية فقد ارتفع عددها من 5785 عاملا في العام 2003م إلى 6670 في العام 2004م وقفز الرقم الي ما يقارب (100000) في 2008 ومعظمهم من تركيا وبريطانيا ويعمل هؤلاء في مجالات النقل والمطاعم والمخابز والكافتيريات والمهن الحرفية الماهرة كالبناء والتشطيب والديكور وصناعات الألمونيوم والأخشاب.

و الوافدون من الأمريكتين وهم غالبا من كندا وأمريكا يعملون في المنظمات الدولية والاغاثية ويعملون أيضا كخبراء في المجالات الحيوية بالبلاد.
سالت شرف الدين احمد حمزة المدير السابق لادارة العمل الخارجي وهي الادارة المعنية بتنظيم ووضع التخطيط الاستراتيجية للعمل على المستوى الاتحادي ما هي اسباب كثافة وجود العمالة الاجنبية بالبلاد؟ فاجابني قائلا : (في ظل ارتفاع معدلات نمو الاقتصاد فان المخطط الاقتصادي عمد لتنفيذ خارطة متنوعة رأسيا وافقيا في مجالات التنمية المستدامة خاصة في قطاعات الطرق والجسور والسدود اضافة لمشروعات السكر والاسمنت والحديد والصلب والاسمنت وصناعة السيراميك اضافة لثورة الانشاءات العقارية التي تشهدها البلاد، كل ذلك حتم ضرورة استقدام العمال المهرة لتنفيذ وادارة هذه المشروعات، كما ان تدفق العمالة الاجنبية يمثل احدى السمات الرئيسة للعولمة الاقتصادية اضافة الى ان حركة الاموال لا تقف عند الكتلات النقدية فقط وانما تشمل العمالة المدربة والمؤهلة لادارة هذه الاموال اينما حلت
الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني قال في المنتدي الشهري لوزارة العمل والذي عقد الاسبوع الماضي بقاعة اتحاد اصحاب العمل قال ان هنالك بعض المهن تحتاج لعمال من الخارج مشترطا ان يتم ذلك وفق ترشيد مع تدريب الكوادر الوطنية وعدم اتاحة الفرصة للاجانب للعمل بالتجارة المحلية ومنعهم من ممارسة المهن التي يجيدها السودانيين الاستفادة من العمال الاجانب في اكتساب قدراتهم والاهتمام بتدريب العمالة الوطنية ومحاربة البطالة .
مصطفي ابراهيم الحاج - اقتصادي لا يتفق في رؤيته مع بعض النقاط التي اثارها المدير السابق لادارة العمل الخارجي خاصة قوله كان يمكن ان تأتي حالات النمو المتصاعد للاقتصاد الوطني بردا وسلاما على اهل السودان وتساهم في امتصاص جيوش الخريجين الذين وجدوا الطريق مسدودا امام الحصول على الوظائف بسبب قصر نظر المخطط الاقتصادي الذي لم يول قضية العمل ما تستحق من اهتمام. فقد كان يمكن تأهيل احد مراكز التدريب الفني ومده بأحدث التقنيات واسباب التدريب لتخريج المئات من العمال المهرة لقطاع النقل على سبيل المثال وبذلك فإن صاحب الشاحنة لا يجد نفسه مضطرا لاستقدام الاجانب وكذلك في مجالات الانشاءات والبناء
ويري محمد الامين الحاج المقاول في قطاع الانشاءات ان هنالك انفلاتا في سوق العمل سببه ضعف القوانين والنظم وافتقار الجهات المعنية بضبط ومراقبة العمالة الوافدة التي تدفقت بكثافة علي البلاد وباتت تسد الطريق امام العمالة الوطنية حتي في الوظائف الدانيا والهامشية مضيفا : ( ان ان الدول التي لديها اعظم الاقتصاديات تمر الان بمنعطف الازمة المالية الذي اجبرها علي تضييق الخناق علي العمالة الاجنبية بل انها تعمل علي تسريح عمالتها الوطنية فلماذ لا نلجا لذات الامر خاصة ان معظم العمال الوافدين يحتاجون الي تحويل حقوقهم فهل لدينا من النقد الاجنبي ما يفي ؟
سالت مصطفي ابراهيم الحاج (هل كل العمالة الوافدة من العمال المهرة الذين يسهمون في دفع الاقتصاد ؟) فاجابني : (يجب ان نفرق بين العمالة الرسمية التي تأتي عبر القنوات الرسمية وتلك الهامشية القادمة عن طريق المنافذ الحدودية المتعددة للسودان.فالاولى تمثل الحاجات الاساسية المطلوبة وفق معايير العمل الوطنية والاحتياجات الحقيقية لسوق العمل وهذه بالتالي داعمة للاقتصاد الوطني وذات اثر ايجابي عام اما المجموعة الثانية فغالب منسوبيها بلا قدرات وعمال هامش بعضهم متفلتين من معسكرات الايواء، وهو بذلك يتفق مع الاستاذ السماني احمد الحاج المتخصص في اقتصاديات العمل الذي يشدد على اهمية العمالة الوافدة خاصة في قطاعات النفط وصناعات الانشاءات كالطرق والكباري والبنايات الرأسية رغم ان مجيئها كان خصما على العمالة الوطنية وبالتالي انعكس مجيئها سلبا على القضية الاجتماعية.ولا يخفي المدير السابق ادارة العمل ازعاجه لكون الوظائف التي تحصل عليها العمالة الوافدة جاءت خصما على العمالة الوطنية وشباب الخريجين قائلا :(ان العديد من اوجه الانشطة الاقتصادية تعتمد على العمالة الوافدة بصورة كاملة كتلك التي تأتي عبر اتفاقيات ما يسمي بتسليم المفتاح حيث تستحوذ العمالة الاجنبية على جل الوظائف في هذه مشروعات هذه الاتفاقيات باعتبار ان تمويل وتنفيذ هذه المشروعات يتم بواسطة تمويل وتنفيذ اجنبيين وقد ارتفعت معدلات مثل هذه الاتفاقيات) وهنا قاطعت محدثي متسائلا: ولكن لماذا لا نطالب بنصيب من العمل للعمالة الوطنية ؟ فاجابني شرف الدين احمد حمزة ( تقدمت وزارة العمل لكل الجهات المعنية بالتخطيط الكلي والسياسات لضمان حصة مقدرة من فرص العمل للعمالة الوطنية في هذه المشروعات).
مكاتب استقدام الاجانب ظلت تواجه بانتقادات حادة لانها تستقدم عمالة اجنبية دون استصحاب الابعاد الاجتماعية والثقافية وموروث اهل السودان ويذهب البعض الي انها تنتهج الفوضى ما دفع الادارة العامة للعمل لمراجعة النظام وقد تم تعديل لوائح وشروط منح التصديق والرقابة المباشرة علي ادائها الفعلي وبعد التنظيم بلغ عدد هذه المكاتب في بداية 2008 حوالي (46) مكتبا لاستقدام الاجانب كما قررت لجنة الحسبة العامة بالمجلس الوطني حظر استقدام بعض العمالة لاجل الحفاظ على القيم والتقاليد كما صدر قرار من لجنة ضبط العمالة الاجنبية التي يرأسها وكيل العمل بحظر استقدام المربيات من الخارج.

بين العمالة الوافدة لتقديم ما ينفع الناس وتلك المتسللة وهي تحمل معها العديد من الظواهر الاجتماعية غير المألوفة بون شاسع فهل تحركت الجهات المختصة لمواجهة الموقف ؟ دعونا نبحث عن الاجابة في حلقة قادمة

ليست هناك تعليقات: