السبت، 4 أبريل 2009

الازمة المالية العالمية : المطلوب كمامات وقاية للاقتصاد الوطني




جاء الافراط في التمويل العقاري والاقراض واعادة تدوير الاموال واعادة الرهن والاتجار في المشتقات المالية وبيع الديون بصورة ادت الى اخفاق مالكي العقارات ومن ورائهم المؤسسات المالية الامريكية في الوفاء بالتزاماتهم مما ادى الى افلاس وانهيار عدد من البنوك والمؤسسات المالية وشح السيولة ومن ثم انحسار النشاط الاقتصادي في اهم جوانبه .امتد الحريق الى كل القطاعات المالية كشركات التأمين ومؤسسات الضمان واسواق الاسهم والبورصات وتراجع القطاع المالي بصورة اجبرت الحكومات في الغرب للتدخل باتخاذ التدابير من خلال برامج انقاذ مالي للبنوك والمؤسسات المالية لوقف الانهيار ..
هكذا بدأت الازمة المالية العالمية و التي تعتبر الابرز في التاريخ الانساني الحديث ومثل كافة الامراض الاجتماعية تسربت الازمة وباتت تهدد بخنق اقتصاديات كل دول العالم ..... ورغم ان اثر الازمة بات واضحا في الاقتصاديات العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة الامريكية وعصف بكبريات الشركات العالمية الا ان المراقبين فشلوا في شرح الصورة التي ستكون عليها الاقتصاديات الهشة في افريقيا والدول النامية .قبيل تسليط الضوء على انعكاسات الازمة على السودان لابد من الاشارة الى ان الخبراء في الغرب يتهمون النظام الرأسمالي لانه يفتقر الى عدم وجود الرقابة الحكومية الكافية على نشاط المؤسسات المالية وعدم الشفافية واسلوب ادارة هذه المؤسسات التي جعلت من المديرين اباطرة في مؤسساتهم لا تخضع ادارتهم ولا قراراتهم للمراجعة - وفقا لتشخيص الخبراء للازمة - بل ان بعض هؤلاء المسئولين الذين لا يتجاوز عددهم الـ(25)على رأسهم رئيس الاحتياط الفدرالي الامريكي يراهنون في كثير من الاحيان علي اموال خارج مؤسساتهم ربما لا تدخل مؤسساتهم . لقد بدأت الازمة من داخل الولايات المتحدة الامريكية ويجمع الخبراء على ان الازمة جاءت بمثابة اعظم صفعة تتلقاها مهندسة السياسة المالية العالمية فامريكا تمتلك 20-30% من الدخل العالمي لكنها بفضل المؤسسات المالية القوية والضخمة التي اسستها وقوامها البنوك وشركات التأمين العالمية واسواق المال الشهيرة وما خلقته من مناخ مالي جاذب نال ثقة المستثمرين حول العالم فصار 60% من دخل العالم يتجه الى مؤسساتها فاصبحت الولايات المتحدة تطبع الدولار كما تشاء وبتكلفة لا تتجاوز العشر سنتات للدولار الذي بات مقبولا في كل دول العالم ، لينعكس ذلك خيرا علي المواطن الامريكي والذي وجد نفسه امام اعظم الفرص منازل وسيارات وتوظيف ، ويذهب الخبير الاقتصادي الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالمجلس الوطني والحائز علي الماجستير والدكتوراة في الاقتصاد من الولايات المتحدة حيث الوول ستريت الذي يحكم العالم ، يقول الدكتور بابكر ان الازمة هي اكبر صفعة لامريكا والنظام الرأسمالي الذي اسست دعائمه مؤسسات بريتن ودس التي قامت بموجبها مؤسسات البنك الدولي وصندوق النقد واتفاقية القات .وعن آثار الازمة على البلاد يرى الخبير الوطني الدكتور محمد الحسن الحاج ا ن الموازنة لهذا العام جاءت معتمدة على البترول بنسبة تتجاوز 50% وبقراءة في ارقام الموازنة نجد انخفاضا في مجمل الايرادات من 21 مليار جنيه الى 18 مليار وبالتالي فان ذلك يعني انخفاض معدلات النمو من 9% الى 6% ، لقد انخفض سعر برميل البترول الى 50 دولارا بدلا من السعر في موازنة 2008 والذي كان 65 دولارا بينما كان في الواقع يزيد عن 100 دولار لتذهب الزيادة الي الحساب الممركز الذي كان داعماً احتياطيا للموازنة وبالتالي فان الموازنة الحالية اتبعت نهج التقشف المعقول وتقوم علي خفض الانفاق العام وخفض معظم بنود التسيير مع التركيز علي مشروعات البني التحتية التي نرجو ان لا يطالها بطش الازمة .وزارة المالية والاقتصاد الوطني شكلت لجنة للمتابعة والدراسة والتقدم بمقترحات لمعالجة آثار التأثر وضمت اللجنة ممثلين للقطاع الخاص والمؤسسات المالية والدولة وتحدث للصحافة احد اعضاء هذه اللجنة الذي اكد ان لجنة دراسة ورصد الآثار الخاصة بالازمة المالية العالمية التي كونتها المالية ظلت تجتمع وترصد عن كثب اي تغيرات جوهرية مؤثرة علي حركة الموارد والايرادات وحركتي الصادر والوارد ، ففي محور الصادر قال ذات العضو الاقتصادي ان الطلب العالمي تأثر سلبا بالازمة ما يحتم علي المصدرين السعي والترويج للسلع الوطنية التي يجب ان تكون في اعلى جودتها لتطابق المواصفات القياسية العالمية واعدا بان الدولة ستقوم بتقديم المساعدة الممكنة من خلال ازالة كافة العقبات وتوجيه المؤسسات المالية وتوفير التمويل المطلوب كما تقع على الجهات المعنية في وزارة التجارة الخارجية تجديد معلوماتها الدورية حول السوق العالمي .وفي محور الواردات فقد شهدت الاسواق العالمية انخفاضا كبيرا في السلع بسبب تراجع الطلب وسعي الدول لاكتساب الاسواق مع تقديم اعلى مستوى من التسهيلات وعليه فقد وصلت للبلاد سلع عديدة وباسعار متدنية مما دفع بالدولة الي فرض رسم وارد 5% وزادت جمارك السيارات حماية للمنتج الوطني والمطلوب ضبط الوارد من السلع الزراعية حتي لا تهزم الدولة توجهها في النهضة الزراعية كما ان تدفق المنتجات الزراعية يضر بالقطاع الزراعي خاصة ان الدولة قد قدمت دعما ضخما للقمح وعليه المطلوب حماية انتاج القمح حتي لا يهجره المزارعون كما انه يتوقع وحال تجاوز الازمة المالية ان يكون هنالك توجها في الهيمنة علي سوق الغذاء ما يحتم النظر لامر زراعة القمح بالبلاد باعتباره توجها سياديا .واشار الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان الي اهمية الصرف علي النهضة الزراعية باعتبارها الكمامة الواقية للاقتصاد من استنشاق فيروسات الازمة العالمية قائلا : ( لقد بذلت الدولة مجهودات جبارة لتحقيق النهضة الزراعية وبات ذلك التوجه ملموسا من خلال دعم الاسمدة والمبيدات وخفض تكاليف الآليات الزراعية وما وجدته البحوث الزراعية والتمويل طويل الاجل وغيرها من معينات لا تقف فقط عند تحقيق النهضة الزراعية وانما يتجاوزها الي تنمية ريفية متكاملة ستجعل من الريف خلال السنوات القليلة القادمة مناطق جذب حقيقي للمواطنين يساعد علي تنميته شبكة الطرق القومية والسكك الحديدية التي تعمل الدولة لتشييدها خلال السنوات القليلة القادمة. ومن الاذرع التي اعتمدتها الدولة للوقاية من تأثير الازمة المالية العالمية مشروعات التمويل الاصغر ويرى ياسر جامع اقتصادي - ان الدولة اولت اهتمامها بالتمويل الاصغر لانه توجه اثبت فاعليته في الحد من الفقر ليكون بنك السودان قطاعا منفصلا خاصاً بالتمويل الاصغر كما يوجد بنك الاسرة الذي يوفر التمويل للمشاريع الصغيرة للمرأة والشباب واشار ياسر احمد حسن جامع الى ان هنالك دولا وصلت نسبة الاعمال الصغيرة فيها الى 50% من حجم الانتاج خاصة في المجتمعات الريفية الصغيرة وذلك لضمان توفر التمويل والاسترداد كما ان التمويل الاصغر يعتمد تدريب الشباب وبناء قدراتهم وتسويق منتجاتهم مشيرا الي تجربة قرافين بانك ببنقلاديش الذي خرج بالمرأة الريفية من دائرة الفقر .يخطئ من يعتقد بامكانية درء المخاطر بعيدا عن الاصلاح المصرفي والمالي فالخبراء الوطنيون المساهمون في صناعة القرار يرون ان سياسات التمويل خاطبت آثار الازمة وركزت علي توفير التمويل في القطاعات الهامة في الزراعة والصناعة والخدمات غير ان هنالك من يرى ان القطاع المصرفي في البلاد كان مسئولا عن الازمة التي عرفت بازمة الجوكية والتي استدان عبرها عدد من عملاء المصارف اموالا ضخمة ليفشلوا في الالتزام . عبدالماجد عبدالقادر اقتصاد زراعي انتقد القطاع المصرفي الوطني وقال انه بوضعه الراهن لا يعول عليه في حماية البلاد مطالبا بضرورة معالجة اسباب أقعدته التي شخصها في محدودية مؤسساته اذ لايتجاوز عدد المصارف بالبلاد (30) مصرفا لا يزيد عدد فروعها عن 560 فرعا تتركز 70% منها بالعاصمة وتعاني من ضعف رأس المال وتعتمد علي ودائع ضعيفة وهي بالتالي غير قادرة علي استقطاب ودائع واموال و استثمارات اجنبية تجعل منها آلية للاستثمار واعادة الاستثمار كما ان معظم هذه المصارف يملكها افراد يملكون ما يعرف بالاسهم الترجيحية ( VOTING SHARES ) كما ان الكوادر العاملة بالجهاز المصرفي السوداني لا تتلقى التدريب الكافي والجرعات اللازمة التي تمكنها من ترقية وتوظيف الموارد وينجم ذلك عن تدخل وهيمنة مجالس الادارات المالكة لغالبية الاسهم .عبدالماجد طالب بضرورة اعادة هيكلة القطاع المصرفي بما فيه البنك المركزي والناي به عن التسييس وان تكون وزارة المالية هي المسئولة بحكم ولايتها علي المال العام وذلك حتي تتمكن من مراقبة الجهاز ومراجعة ادائه بشفافية كما ينبغي انشاء مصارف جديدة تقوم بخدمة الولايات امرا حيويا مع توجيه اموال القطاع في مشروعات التنمية الحقيقية وعندها فقط يمكن للجهاز المصرفي ان يكون ذراعا اقتصاديا داعما للاقتصاد الوطني ولا يطاله شبق الجوكية .ومن المداخل التي يمكن ان تلج من خلالها الازمة المالية العالمية سوق العمال ويشير احمد علي مصطفي الي ضرورة استصحاب بعض الظواهر التي بدأت تطفو في السطح مثل العمالة الاجنبية ورغم ان سوق العمل الوطني يحتاج في بعض المهن والوظائف الي العمالة الاجنبية ولكن يجب ان يتم ذلك وفق ترشيد مع الزام اصحاب العمل تدريب العمالة الوطنية، وعلي الجهات الرسمية عدم اتاحة الفرصة للاجانب لولوج التجارة والاعمال التي يمكن ان يقوم بها العمال الوطنيون ففي حديث لرئيس منظمة العمل الدولية جوان سوما في اكتوبر الماضي اشار الي ان الازمة العالمية ستزيد العطالة في العالم بعدد 20 مليون من العمال من الجنسين مشيرا الي اهمية التنمية المستدامة ودعم الرعاية الصحية وتامين حصول المشاريع علي الائتمان لتجنب تسريح العمالة . وفي تقرير لوزارة العمل تراجعت فرص العمل بالبلاد بنسبة 15% عن حقبة التسعينيات ويزيد وقع الازمة علي الداخلين الجدد لسوق العمل حيث تقدر بطالة الشباب بنسبة 28% اي ضعف المعدل العام وتقدر بطالة الخريجين بنسبة 48% اي اكثر من ثلاثة اضعاف المعدل العام وتقدر العطالة وسط الاناث بنسبة 37% وتشير كل المصادر الي ان معدل نمو القوى العاملة اكبر من معدل نمو السكان (4%-2,6%) وحسب التقديرات السابقة فيقدر عدد المتبطلين بحوالي 1,9 مليون فيما يبلغ عدد الوافدين الجدد على سوق العطالة 350 الف وبذلك يصعد العدد الى (2,02) مليون عاطل وتبلغ نسبة المشتغلين باجر 23% من القوى العاملة .ومواجهة الامر والتخفيف من هذا الواقع الذي جسد عمق المشكل الاجتماعي متوفر، فاضافة للخروج بالنهضة الزراعية من المكاتب المكيفة للقيط فهناك مقومات العودة للتصنيع خاصة ان اسعار الكهرباء في السنوات الماضية كانت غالية وادت لارتفاع تكاليف الانتاج بصورة لم يتمكن معها المنتج الوطني من المنافسة ،اما وقد بدأت صناعة الكهرباء بالبلاد تتمدد وتتوسع مواعين توليدها ومع بشريات قرار خفض تكاليف كهرباء الصناعة بنسبة 25% فان اولى بشريات هذا التحول ستنعكس في الصناعة لتعود ماكينات المصانع سيرتها الاولى وفي ظل تمتع البلاد بالعديد من المميزات الايجابية فنتوقع ان تغدو الصناعات الوطنية خاصة التحويلية منها من اغذية ومشروبات ونسيج وزيوت وحلويات ان تعود لتشكل رئة صحيحة ومعافاة يتنفس عبرها الاقتصاد الوطني

ليست هناك تعليقات: